للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذيلك من أولادك؟ وأين محاسنك فيهم؟ أخُلقت لك المرأة لتتجنبها، وجعلت نسل أبويك لتتبرأ أنت من النسل؟

جئت من الحياة بأشياء ليس فيها حياة؛ فما صنعت للحياة نفسها إلا أن هربت منها، وانهزمت عن ملاقاتها؛ ثم تأمُلُ جائزة النصر على هزيمة!

عملت الفضيلةُ في نفسك ونشأتك، ولكنها عقمت فلم تعمل بك. لك ألف ألف ركعة ومثلها سجدات من النوافل، ولخير منها كلها أن تكون قد خرجت من صلبك أعضاء تركع وتسجد.

قتلت رجولتك، ووأدت فيها النسل، ولبثت طوال عمرك ولدًا كبيرًا لم تبلغ رتبة الأب! فلئن أقمت الشريعة، لقد عطلت الحقيقة، ولئنْ ...

قال أبو خالد: ووقعتْ غُنَّة النون الثانية في مسمعي من هول ما خفت مما بعدها كالنفخ في الصور؛ فطار نومي وقمت فزعًا مشتت القلب، كمن فتح عينيه بعد غشية، فرأى نفسه في كفن في قبر سُد عليه!

وما كدتُ أعي وأنظر حولي وقد برَق الصبح في الدار حتى رأيت أبا ربيعة يتقلب كأنما دحرجته يد، ثم نهض مستطار القلب من فزعه وقال: أهلكتَني يا أبا خالد، أهلكتني والله.

قلت: ما بالك يرحمك الله!

قال: إني نمت على تلك النية التي عرفت أن أجمع قلبي للعبادة، وأخلص من المرأة والولد، ومن المعاناة لهما في مَرَمَّة المعاش والتلفيق بين رغيف ورغيف، وأن أُعفي نفسي من لأوائهم وضرائهم وبلائهم، لأفرغ إلى الله وأقبل عليه وحده. وسألت الله أن يخير لي في نومي؛ فرأيت كأن أبواب السماء قد فُتحت، وكأن رجالًا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضًا، أجنحة وراء أجنحة؛ فكلما نزل واحد نظر إلي, وقال لمن وراءه: هذا هو المشئوم!

فيقول الآخر: نعم هو المشئوم!

وينظر هذا الآخر إلي ثم يلتفت لمن وراءه ويقول له: هذا هو المشئوم!

فيقول الآخر: نعم هو المشئوم!

وما زالت "المشئوم، المشئوم" حتى مروا؛ لا يقولون غيرها ولا أسمع غيرها، وأنا في ذلك أخاف أن أسألهم؛ هيبة من الشؤم، ورجاء أن يكون المشئوم

<<  <  ج: ص:  >  >>