للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك الدين، وهنا أسباب الإغراء والزلل.

هناك تكلف الأخلاق، وهنا طبيعة الحرية منها.

وهناك العزيمة بالقهر يومًا بعد يوم، وهنا إفسادها بالترخص يومًا بعد يوم.

والبحر يعلّم اللائي والذين يسبحون فيه كيف يغرقون في البر.

لو درى هؤلاء وهؤلاء معرّة اغتسالهم معًا في البحر، لاغتسلوا من البحر.

فقطرة الماء التي نجّستها الشهوات قد انسكبت في دمائهم.

وذرة الرمل النجسة في الشاطئ، ستكبر حتى تصير بيتًا نجسًا لأب وأم.

يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار!

يجيئون للشمس التي تقوى بها صفات الجسم؛

ليجد كل من الجنسين شمسه التي تضعف بها صفات القلب.

يجيئون للهواء الذي تتجدد به عناصر الدم؛

ليجدوا الهواء الآخر الذي تفسد به معاني الدم.

يجيئون للبحر الذي يأخذون منه القوة والعافية؛

ليأخذوا عنه أيضًا شريعته الطبيعية: سمكة تطارد سمكة.

ويقولون: ليس على المصيف حرج،

أي: لأنه أعمى الأدب، وليس على الأعمى حرج.

يا لحوم البحر! سلخك من ثيابك جزار!

المدارس، والمساجد، والبِيَع، والكنائس، ووزارة الداخلية؛

هذه كلها لن تهزم الشاطئ.

فأمواج النفس البشرية كأمواج البحر الصاخب، تنهزم أبدًا لترجع أبدًا.

لا يهزم الشاطئ إلا ذلك "الجامع الأزهر"، لو لم يكن قد مُسخ مدرسة!

فصرخة واحدة من قلب الأزهر القديم، تجعل هدير البحر كأنه تسبيح.

وترد الأمواج نقية بيضاء١، كأنها عمائم العلماء.


١ يرى بعضهم أن مثل هذا الوصف خطأ، وأن الصواب أن يقال "بيض"، ولسنا من هذا الرأي، وقد غلط فيه المبرد ومن تابعوه؛ لغفلتهم عن السير في بلاغة الاستعمال مرة في الوصف بالمفرد، ومرة في الوصف بالجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>