للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عينيها الدَّعْجَاوين بنظرات متهكمة، لا أدري أهي توبخنا بها، أم تتهمنا بأننا أخذنا من حسنها مجانًا؟

فقلتُ للأستاذ "ح"، وأنا أجهر بالكلام ليبلُغها:

أما ترى أن الدنيا قد انتكست في انتكاسها، وأن الدهر قد فسد في فساده، وأن البلاء قد ضُوعف على الناس، وأن بقية من الخير كانت في الشر القديم فانتُزعت؟

قال: وهل كان في الشر القديم بقية خير وليس مثلها في الشر الحديث؟

قلت: ههنا في هذا المسرح قِيَان لو كانت إحداهن في الزمن القديم، لتنافس في شرائها الملوك والأمراء سراة الناس وأعيانهم، فكان لها في عَهَارة الزمن صون وكرامة، وتتقلب في القصور فتجعل لها القصور حرمة تمنعها ابتذال فنها لكل من يدفع خمسة قروش، حتى لرُذَّال الناس وغوغائهم وسَفَلتهم؛ ثم هي حين يُدبِر شبابها تكون في دار مولاها حميلة على كرم يحملها، وعلى مروءة تعيش بها.

وقديمًا أخذت سلَّامة الزرقاء في قبلتها لؤلؤتين بأربعين ألف درهم، تبلغ ألفي جنيه. فهل تأخذ القينة من هؤلاء إلا دَخِينة١ بمليمين؟

قال الأستاذ "ح": ما أبعدك يا أخي عن "بورصة" القبلة وأسعارها, ولكن ما خبر اللؤلؤتين؟

قال الراوي:

كانت سلامة هذه جارية لابن رَامين٢، وكانت من الجمال بحيث قيل في وصفها: كأن الشمس طالعة من بين رأسها وكتفيها؛ فاستأذن عليها في مجلس غنائها الصيرفي الملقب بالماجن، فلما أذنت له، دخل فأقعى بين يديها، ثم أدخل يده في ثوبه فأخرج لؤلؤتين، وقال: انظري يا زرقاء جُعلتُ فداك. ثم حلف أنه نُقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم. قالت: فما أصنع بذاك؟ قال: أردت أن تعلمي.

ثم غنت صوتًا وقالت: يا ماجن هبهما لي, ويحك. قال: إن شئت -


١ الدخينة وضعناها للسيجارة، وجمعها: الدخائن.
٢ سلامة هذه اشتراها جعفر بن سليمان بثمانين ألف درهم "٤٠٠٠ جنيه"، كما اشترى جارية أخرى يقال لها: ربيحة، بمائة ألف درهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>