وأغتم لذلك غمًّا شديدًا، وأراني سأسقط بعد سقوطي الأول وأقبح منه؛ إذ الحياة عندنا قائمة بالخداع، وهذا يُفسده الإخلاص؛ وبالمكر، وهذا يعطله الوفاء؛ وبالنسيان، وهذا يبطله الحب؛ وإذ عواطفنا كلها متجردة لغرض واحد، هو كسب المال وجمعه وادخاره؛ وفضيلتنا عملية لا تُتخيَّل، حسابية لا تختل؛ فيستوي عندنا الرجل بلغ جماله القمر في سمائه، والرجل بلغت دَمَامته الذباب في أقذاره؛ والحب معنا هو: كم في كم ويبقى ماذا, أو كما يقول أهل السياسة: هو "النقطة العملية في المسألة". ولكن المسألة التي في قلبي لا ترى هذا حلًّا لها؛ لأنه هو هو المسألة.
فيزيد بي الكرب، ويشتد علي البلاء، وأحتال لقلبي وأُدَبِّر في خنقه، وأذهب أقنعه أن الرجل إذا كان شريفًا لم يحب المرأة الساقطة؛ إذ يُعاب بصُحْبتها والاختلاف إليها، فإذا كان ساقطًا لم تحبه هي، فإنما هو صيدها وفريستها، وموضع نِقْمتها من هذا الجنس؛ وأشرف على قلبي في المَلَامة والتعذيل فأقول له: ويحك يا قلبي! إن المرأة منا إذا تفتح قلبها لحبيب، تفتح كالجرح لينزف دماءه لا غير. فيقتنع القلب ويجمع على أن ينسى، وأن يرجع عن طلبه الحب؛ وأرى المسألة قد بطلت وكان بطلانها أحسن حل لها، وأنام وادعة مطمئنة، فيأتي هو في نومي ويدخل في قلبي، ويعيد المسألة إلى وضعها الأول، فما أستيقظ إلا رأيته هو هو المسألة.
فأتناهى في الخوف على نفسي من هذا الحب، وأراه سجنها وعقابها، وقهرها وإذلالها، فأقول لها: ويلك يا نفسي! إنما همك في الحياة وسائل الفوز والغَلَب، فأنتِ بهذا عدوة مسماة في غفلة الرجال صديقة، وقد وُضعت في موضع تعيشين فيه بإهانات من الرجال، يسمونها في نذالتهم بالحب؛ فأنت عدوة الرجال بمعنى من الدهاء والخبث، وعدوة الزوجات بمعنى من الحقد والضغينة، وعدوة البغايا أيضًا بمعنى من المغالبة والمنافسة، وكل ما يستطيع الدهاء أن يعمله فهو الذي علي أنا أن أعمله، فماذا أصنع وأنا أحب؟ وكيف أنجح وأنا أحب؟ ولكن النفس تجيبني على كل هذا بأن هذا كله بعيد عن المسألة, ما دام هو هو في المسألة.
قال الراوي:
وكانت كالذاهلة مما سمعتْ، ثم قالت: ألك شيطان في قلبي؟ فهذا كله هو الذي حدث في سبعة أيام.
قال "ح": ولكن كيف يقع هذا الحب؟ وهَبْكَ صنفت تلك الرواية، ووضعت