بالوقاحة، وتَضْرِيَة النفس على الاستغواء، والتصدي بالجمال للكسب من رذائل الفساق وأمراضهم، والتعرض لمعروفهم بأساليب آخرها الهوان والمذلة, واستماحتهم بأساليب أولها الخداع والمكر؟
إن حياة هذه هي واجباتها، لا يكون البكاء والهم إلا من طبيعة من يحياها، وكثيرًا ما نعالج الضحك لنفتح لأنفسنا طُرُقًا تتهارب فيها معاني البكاء؛ فإذا أثقلنا الهم وَجَلَّ عن الضحك وعجزنا عن تكلف السرور، خَتَلنا العقل نفسه بالخمر؛ فما تسكر المرأة منا للسكر أو النشوة، بل للنسيان، وللقدرة على المرح والضحك، ولإمداد محاسنها بالأخلاق الفاجرة، من الطيش والخلاعة والسفه وهَذَيان الجمال الذي هو شعره البليغ, عند بلغاء الفساق.
قال الأستاذ "ح": أهذا وحاضر الغادة منكن هو الشباب والصبى والجمال وإقبال العيش، فكيف بها فيما تستقبل؟
قالت: إن المستقبل هو أخوف ما نخافه على أنفسنا، وليس من امرأة في هذه الصناعة إلا وهي معدة لمستقبلها: إما نوعًا من الانتحار، وإما ضربًا من ضروب الاحتمال للذل والخسف؛ وليس مستقبلنا هذا كمستقبل الثمار النضرة إذا بقيت بعد أوانها، فهو الأيام العفنة بطبيعة ما مضى، بلى إن مستقبل المرأة البغيّ هو عقاب الشر.
قال "ح": هذا كلام ينبغي أن تعلمه الزوجات؛ فالمرأة منهن قد تتبرم بزوجها وتضجر وتغتم، وتزعم أنها معذبة؛ فتتسخط الحياة، وتندب نفسها؛ ثم لا تعلم أنه عذاب واحد برجل واحد، تألفه، فتعتاده، فتُرزق من اعتياده الصبر عليه، فيسكن بهذا نِفَارها؛ وتلك نعمة واجبها أن تحمد الله عليها، ما دام في النساء مثل الشهيدات، تتعذب الواحدة منهن فنونًا من العذاب بمائة رجل، وبألف رجل، وهم مع ذلك يبتلون روحها بعددهم من الذنوب والآثام.
وقد تستثقل الزوجة واجباتها بين الزوج والنسل والدار، فتغتاظ وتشكو من هذه الرجرجة اليومية في الحياة؛ ثم لا تعلم أن نساء غيرها قد انقلبت بهن الحياة في مثل الخسف بالأرض.
وقد تجزع للمستقبل وتنسى أنها في أمان شرفها، ثم لا تعلم أن نساء يترقبن هذا الآتي كما يترقب المجرم غد الجريمة، من يوم فيه الشرطة والنيابة والمحكمة وما وراء هذا كله.