فقلت: وهناك حقيقة أخرى فيها العزاء كل العزاء للزوجات، وهي أن الزوجة امرأة شاعرة بوجود ذاتها، والأخرى لا تشعر إلا بضياع ذاتها.
والزوجة امرأة تجد الأشياء التي تتوزع حبها وحنان قلبها، فلا يزال قلبها إنسانيًّا على طبيعته، يفيض بالحب، ويستمد من الحب؛ والأخرى لا تجد في هذا شيئًا، فتنقلب وحشية القلب، يفيض قلبها برذائل، ويستمد من رذائل؛ إذ كان لا يجد شيئًا مما هيأته الطبيعة ليتعلق به من الزوج والدار والنسل.
والزوجة امرأة هي امرأة خالصة الإنسانية، أما الأخرى فمن امرأة ومن حيوان ومن مادة مهلكة.
وتمام السعادة أن النسل لا يكون طبيعيًّا مستقرًّا في قانونه إلا للزوجات وحدهن؛ فهو نعمتهن الكبرى، وثواب مستقبلهن وماضيهن، وبركتهن على الدنيا؛ ومهما تكن الزوجة شقية بزوجها، فإن زوجها قد أولدها سعادتها، وهذه وحدها مزية ونعمة؛ أما أولئك فليس لهن عاقبة١؛ إذ النسل قلب لحالتهن كلها؛ وهو غنى إنساني، ولكنه عندهن لا يكون إلا فقرًا؛ وهو رحمة، ولكنها لا تكون إلا لعنة عليهن وعلى ماضيهن. وقد وضعت الطبيعة في موضع حب الولد الجديد من قلوبهن، حب الرجل الجديد، فكانت هذه نقمة أخرى.
قال "ح": أتريد من الرجل الجديد من يكون عندهن الثاني بعد الأول، أو الثالث بعد الثاني، أو الرابع بعد الثالث؟
قلت: ليس الجديد عليهن هو الواحد بعد الواحد إلى آخر العدد، ولكنه الرجل الذي يكون وحده بالعدد جميعًا؛ إذ هو عندهن يشبه الزوج في الاختصاص وفي شرف الحب، فهو الحبيب الشريف الذي تتعلقه إحداهن وتريد أن تكون معه شريفة, ولكنه من نقمة الطبيعة أن ممن وجدته منهن لا تجده إلا لتعاني ألم فقده.
يا عجبًا! كل شيء في الحياة يلقي شيئًا من الهم أو النكد أو البؤس على هؤلاء المسكينات، كأن الطبيعة كلها ترجمهن بالحجارة.
قالت هي: وليست الحجارة هي الحجارة فقط، بل منها ألفاظ تُرجَم بها المسكينة كألفاظك هذه, وكتسمية الناس لها "بالساقطة"؛ فهذه الكلمة وحدها صخرة لا حجر.