فضحكت وسُرِّي عنها، وثبتت على شفتيها ابتسامة لو جاء مَلَك من السماء ليضع في ثغرها ابتسامة أجمل منها، لما وجد أجمل منها.
ثم قالت: تحب أن تعلم ماذا؟
قلت: أحب أن أعلم منك قصة هذه الحياة ما كان أولها؟
قالت: لقد قضيتَ من حكمك فينا، ولكنك أخطأت، فلكل ليل مظلم كوكبه؛ والكوكب الوقاد المعلق فوق ليل المرأة منا هو إيمانها؛ نعم إنه ليس كإيمان الناس في واجباته، لكنه كإيمان الناس في تعزيته، والله ربنا وربكم!
قلت: لو أُطيع الله بمعصيته لاستقام لك هذا, وإنما أَنْ تصفي الإيمان الأول الذي كان عملًا، فصار ذكرى، فصارت الذكرى أملًا، فظننتِ الأمل هو الإيمان.
قالت: ثم إننا جميعًا مكرهات على هذه الحياة، فما نحن إلا صرعى المصادمة بين الإرادة الإنسانية وبين القدر.
قلت: ولكن لم تهفُ واحدة منكن في غلطتها الأولى وهي مستكرهة على غلطة؛ بل هي راغبة في لذة، أو مبادرة لشهوة، أو طالبة لمنفعة.
قالت: هذا أحد الوجهين؛ أما الآخر فالتماس الرزق وصلاح العيش؛ فالرجل مع الرجل رأس ماله قوته، وعمله بقوته؛ ولكن المرأة مع الرجل رأس مالها أنوثتها وعمل أنوثتها. وفي الوجه الأول -وجه اللذة والمنفعة- تحتال كلمة الفجور على المرأة بكلمات رقيقة ساحرة، منها الحب والزواج والسعادة، فتستسلم المرأة مضطرة ليقع شيء من هذا. وفي الوجه الثاني -وجه الرزق والعيش- تحتال الكلمة الخبيثة الفاجرة على المرأة المسكينة المستضعفة بكلمات رهيبة قاتلة، منها الجوع والفقر والشقاء، فتسقط المرأة مضطرة خِيفة أن يقع شيء من هذا؛ وفي أحد الوجهين يكون الرجل هو الفاجر لفساد آدابه، وفي الوجه الآخر يكون الفاجر هو المجتمع لفساد مبادئه.
قلت: أنا لا أنكر أن المرأة إذا سقطت في هذه المدنية، لم تقع أبدًا إلا في موضع غلطة من غلطات القوانين؛ وآفة هذه القوانين أنها لم تُسن لمنع الجريمة أن تقع، ولكن للعقاب عليها بعد وقوعها, وبهذا عجزت عن صيانة المرأة وحفظها، وتركتها لقانون الغريزة الوحشي في هؤلاء الوحوش الآدميين، الذين يأخذهم السُّعَار من هذه الرائحة التي لا يعرفونها إلا في اثنين: المرأة الجميلة والذهب. فما