ألجأت المرأة حاجتها أو فقرها إلى أحدهم ورأى عليها جمالًا، إلا ضربه ذلك السعار؛ فإن استخفَّتْ بنَزَوَاته وتعسرت عليه، طردها إلى الموت، ومنعها أن تعيش من قِبَله؛ وإن صلحت له وتيسرت، آواها هي وطرد شرفها.
وبخلاف ذلك الدين؛ فإنه قائم على منع الجريمة وإبطال أسبابها، فهو في أمر المرأة يُلزم الرجل واجبات، ويُلزم المجتمع واجبات غيرها، ويُلزم الحكومة واجبات أخرى:
أما الرجل فينبغي له أن يتزوج، ويتحصن، ويغار على المرأة، ويعمل لها؛ وأما المجتمع فيجب عليه أن يتأدب، ويستقيم، ويعين الفرد على واجبات الفضيلة، ويتدامج ويشد بعضه بعضًا؛ وأما الحكومة فعليها أن تحمي المرأة، فتعاقب على إسقاطها عقاب الموت والألم والتشهير؛ لتقيم من الثلاثة حُرَّاسًا جبابرة، من لا يخش الله خشيها؛ فليس يمكن أبدًا أن يكون في ديننا موضع غلطة تسقط فيه المرأة.
قال الأستاذ "ح": صدقْتَ، فالحقيقة التي لا مِرَاء فيها، أن فكرة الفجور فكرة قانونية؛ وما دام القانون هو أباحها بشروط، فهو هو الذي قررها في المجتمع بهذه الشروط؛ ومن هذا التقرير يُقدم عليها الرجل والمرأة كلاهما على ثقة واطمئنان؛ ومن ثم تأتي الجرأة على اندفاع الناس إلى ما وراء حدود القانون، ومن هذا الاندفاع تأتي الساقطة بآخر معانيها وأقبح معانيها.
وتقرير سيادة المرأة في الاجتماع الأوروبي، وتقديمها على الرجال، والتأدب معها؛ كل ذلك يجعل جراءة السفهاء عليها جراءة متأدبة، حتى كأن المتحكِّك منهم في امرأة يقول لها: من فضلك كوني ساقطة, أما هنا فجراءة السفهاء جراءة ووقاحة معًا، وذلك هو سرها.
القانون كأنما يقول للرجال: احتالوا على رضى النساء، فإن رضين الجريمة فلا جريمة؛ ومن هذا فكأنه يعلمهم أن براعة الرجل الفاسق إنما هي في الحيلة على المرأة وإيقاظ الفطرة في نفسها، بأساليب من المَلَق والرياء والمكر، تتركها عاجزة لا تملك إلا أن تذعن وترضى؛ وبهذا ينصرف كل فاجر إلى إبداع هذه الأساليب التي تُطلق تلك الفطرة من حيائها، وتُخرِجها من عفتها، "تطبيقًا للقانون".
ولا سيادة في اجتماعنا للمرأة، ولكن القانون جعلها سيدة نفسها، وجعلها فوق الآداب كلها، وفوق عقوبة القانون نفسه إذا رضيت؛ إذا رضيت ماذا؟