روحها؛ صوت أحمر، مشتعل كمعمعة الحريق، مجلجل كالرعد، واضح كالحقيقة فيه قوة الله!
سمعت صوت السلسلة وقعقعتها تُلوَى وتشَد عليها، ثم سمعت صوت السلسلة بعينها يُكسَر حديدها ويتحطم.
كانت طهارتها تختنق فنفذت إليها النسمات؛ وطارت الحمامة حين دعاها صوت الجو، بعد أن كانت أَسَفَّت حين دعاها صوت الأرض. طارت الحمامة؛ لأن الطبيعة التفتت فيها لفتة أخرى.
ويكرر المؤذن في ختام أذانه:"الله أكبر الله أكبر! " فإذا ...
وتبلد خاطري، فوقفت في بناء القصة عند هذا الحد، ولم أدر كيف يكون جواب "إذا" فتركت فكري يعمل عمله كما تلهمه الواعية الباطنة، ونمت.
ورأيت في نومي أني أدخل المسجد لصلاة العيد وهو يعج بتكبير المصلين:"الله أكبر الله أكبر! " ولهم هدير كهدير البحر في تلاطمه. وأرى المسجد قد غص بالناس فاتصلوا وتلاحموا؛ تجد الصف منهم على استوائه كما تجد السطر في الكتاب: ممدودًا محتبكًا ينتظمه وضع واحد، وأراهم تتابعوا صفا وراء صف، ونسقا على نسق، فالمسجد بهم كالسنبلة ملئت حبًّا ما بين أولها وآخرها؛ كل حبة هي في لِفّ من أهلها وشملها، فليس فيهن على الكثرة حبة واحدة تميزها السنبلة فضل تمييز، لا في الأعلى ولا في الأسفل.
وأقف متحيرًا متلددًا ألتفت ههنا وههنا، لا أدري كيف أخلص إلى موضع أجلس فيه؛ ثم أمضي أتخطى الرقاب أطمع في فُرْجة أقتحمها وما تنفرج، حتى أنتهي إلى الصف الأول؛ وأنظر إلى جانب المحراب شيخًا بادِنًا يملأ موضع رجلين، وقد نفح منه ريح المسك، وهو في ثياب من سندس خُضْر؛ فلما حاذيته جمع نفسه وانكمش، فكأنما هو يُطوَى طيًّا، ورأيت مكانًا وسعني فحططت فيه إلى جانبه، وأنا أعجب للرجل كيف ضاق ولم أضيق عليه، وأين ذهب نصفه الضخم وقد كان بعضه على بعضه زِيَمًا على زِيَم١ وامتلاء على امتلاء.
وجعلت أحدس عليه ظني، فوقع في نفسي أنه مَلَك من ملائكة الله قد تمثل في الصورة الآدمية فاكتتم فيها لأمر من الأمر.