على مَلَأ من الأساتذة الممتحنين، والنَّظَّارة يحكمون لها أو عليها؛ فهي في فكرة الامتحان, وهم لأنفسهم فيما شاءوا.
ولست أنكر أن أكثرهم، بل جميعهم، يخطئ في طريقة تناوله السيَّال الكهربائي المنبعث من نفسي، ولكن لا علي، فهذا السيال نفسه ينبعث مثله من الزهر، ومن القمر والكواكب، ومن كل امرأة جميلة تمشي في الطريق، ومن كل جميل في الطبيعة، وحتى من الأمكنة والبقاع إذا كان لإنسان فيها ذكريات قديمة، أو نبهت ببعض معانيها بعض معانيه؟
قالت الياقوتة: فأنا كما ترى؛ أضطرب وجوهًا من الاضطراب في جذب الناس ودفعهم معًا، وإذا سلمت المرأة من أن يغلبها الطمع على فكرها، سلمت من أن يغلبها الرجل عن فضيلتها. وفي النساء حواس مغناطيسية كاشفة منبهة خُلقت فيهن كالوقاية الطبيعية، لتسلم بها المرأة من أن تخطر عفتها لغرض، أو تغرر بنفسها لإنسان، فإنك لتكلم المرأة، وتزين لها ما تزين، وهي شاعرة بما في نفسك، وكأنها ترى ما في قلبك ينشأ ويتدرج تحت عينيها، وكأنه في وعاء من الزجاج الرقيق الصافي تحمله على كفك يشفّ ويفضح، لا في قلب من لحم ودم تخفيه بين جنبيك فيُطوى ويُكتم.
وليس يبطل هداية هذه الحاسة في المرأة إلا طمعها المادي في المال والمتاع والزينة؛ فإن هذا الطمع هو القوة التي يغلب بها الرجل المرأة، فبنفسها غَلَبَها! وإذا تبذل طمع امرأة في رجل فهي مومس، وإن كانت عذراء في خدرها.
ويا عجبًا! إن وجود الطبيعة في النفس غير الشعور بها؛ فليس يُشعر المرأة بتمام طبيعتها النسائية إلا الزينة والمتاع وما به المتاع والزينة؛ فكأن الحكمة قد وقتها وعرَّضتها في وقت معًا، لتكون هي الواقية أو المخطرة لنفسها، فبعملها تُجزى، ومن عملها ما تضحك وتبكي.
قالت الياقوتة: ولذا أخذتُ نفسي ألا أطمع في شيء من أشياء الناس، وسخوتُ عن كل ما في أيديهم؛ فما يتكرمون علي إلا بهلاكي، وحسبي أن يبقى لعينَيْ قلبي ضوءهما المبصر. وأنا أعتمد على شهامة الرجل، فإن لم أجدها علمتُ أني بإزاء حيواني إنساني، فأتحذره حذري من مصيبة مقبلة. وإذا جاءني وقح خلق الله وجهه الحسن مسبة له، أو خلقه هو مسبة لوجهه القبيح، ذكرت أني بعد ساعة أو ساعات أقوم إلى الصلاة، فلا يزداد مني إلا بعدًا وإن كان بإزائي، فأُغلظ له وأتسخط، وأظهر الغضب وأصفعه صفعتي.