تجعله قادرًا على أن ينصرف بي عما يُفسد روح الصلاة في نفسي، وهي سر الدين وعماده.
ويا لها حكمة أن فرض الله علينا هذه الصلوات بين ساعات وساعات، لتبقى الروح أبدًا إما متصلة أو مهيأة لتتصل. ولن يعجز أضعف الناس مع روح الدين أن يملك نفسه بضع ساعات، متى هو أقر اليقين في نفسه أنه متوجه بعدها إلى ربه، فخاف أن يقف بين يديه مخطئًا أو آثمًا؛ ثم هو إذا ملك نفسه إلى هذه الفريضة ذكر أن بعدها الفريضة الأخرى، وأنها بضع ساعات كذلك، فلا يزال من عزيمة النفس وطهارتها في عمر على صيغة واحدة لا يتبدل ولا يتغير، كأنه بجملته -مهما طال- عمل بضع ساعات.
قالت الياقوتة: ورأيت أبي يصلي، وكذلك رأيت أمي، فلا تكاد تلم بي فكرة آثمة إلا انتصبا أمامي، فأكره أن أستلئم إليهما فأكون الفاسدة وهما الصالحان, واللئيمة وهما الكريمان؛ فدمي نفسه -ببركة الدين- يحرسني كما ترى.
قلت: فهذا الرقص؟
قالت: نعم، إنه قُضي علي أن أكون راقصة، وأن ألتمس العيش من أسهل طرق وألينها وأبعدها عن الفساد، وإن كان الفساد ظاهرها؛ أريد: الرقص، أو الخدمة في بيت، أو العمل في السوق. وأنا مطيقة لحريتي في الأولى، ولكني لن أملكها في الأخيرتين ما دام علي هذا الميسم من الحسن؛ وكم من امرأة متحجبة وهي عارية الروح، وكم من سافرة وروحها متحجبة؛ إن كنت لا تعلم هذا فاعلمه؛ وليس السؤال ما سألت، بل يجب أن يكون وضعه هكذا: هل ما ترى هو في ثيابي فقط، أو هو في ثيابي ونفسي؟
ها أنت ذا تغلغل نظرتك في عيني إلى المعاني البعيدة، فهل ترى عيني راقصة؟
قلت: لا والله، ما أرى عينَيْ راقصة، ولكن عيني مجاهد في سبيل الله ... ! فاستضحكت وقالت: بل قل: عيني مجاهد يهزم كل يوم شيطانًا أو شياطين.
إني لأرقص وأغني، ولكن أتدري ما الذي يحرزني من العاقبة، ويحميني من وباء هذا الجمهور المريض النفس؟ فاعلم أني لا أشعر بالجمهور ولا بروح المسرح، إلا كما أشعر بروح المقبرة والمشيعين إليها؛ فهيهات بعد ذلك هيهات! ومن هذا لا أحس بقلوبهم ولا بشهواتهم، وما أنا بينهم إلا كالتي تؤدي عملًا فنيًّا