وليس من امرأة إلا وقد خلق الله لها طبيعة ياقوتية، هي فطرتها الدينية التي فيها, إن بقيت لها هذه بقيت معها تلك؛ ولكنها حين تنخلع من هذه الفطرة تخذلها الفطرة والطبيعة معًا؛ فيجعل الله عقابها في عملها، ويَكِلها إلى نفسها؛ فإذا هي مقبلة على أغلاطها ومساوئها بطرق عقلية إن كانت عالمة، وبطرق مفضوحة إن كانت جاهلة. وما بد أن تستسر بطباع إما فاسدة وإما فيها قوة الاستحالة إلى الفساد؛ ويرجع ضميرها الخالي محاولًا أن يمتلئ من ظاهرها، بعد أن كان ظاهرها هو يمتلئ من ضميرها، وتصبح المرأة بعد ذلك في حكم أسباب حياتها، مصرفة بهذه الأسباب، خاضعة لما يصرفها؛ ويُذهب الدين وينزل في مكانه الشيطان؛ ويزول الاستقرار ويحل في محله الاضطراب، وتنطفئ الأشعة التي كانت تذيب الغيوم وتمنعها أن تتراكم، فإذا الغيوم ملتف بعضها على بعض؛ وتُخذَل القوة السامية التي كانت تنصر المرأة على ضعفها فتنصرها بذلك على أقوى الرجال؛ فإذا المرأة من الضعف إلى تَهَافُت، تغلبها الكلمة الرقيقة، وتغترّها الحيلة الواهنة، وتوافق انخداعها كل رغبة مزينة، ويستذلها طمعها قبل أن يستذلها الطامع فيها؛ ولتكن بعد ذلك من هي كائنة أصلًا وحسبًا وتهذيبًا وعقلًا وأدبًا وعلمًا وفلسفة، فلو أنها امرأة من "الأسمنت المسلح" لتفتَّتَتْ بالطبيعة التي في داخلها، ما دامت الطبيعة متوجهة إلى الهدم بعد أن فقدتْ ما كان يُمسكها أن تهدم وأن تنهدم.
لقد رَقَّ الدين في نسائنا ورجالنا, فهل كانت علامة ذلك إلا أن كلمة:"حرام، وحلال" قد تحولت عند أكثرهم وأكثرهن إلى "لائق، وغير لائق" ثم نزلت عند كثير من الشبان والفتيات إلى "معاقب عليه قانونًا، ومباح قانونًا" ثم انحطت آخرًا عند السواد والدَّهْماء إلى "ممكن، وغير ممكن"؟
قالت الياقوتة، أعني الراقصة:
أخذني أبي من عهد الطفولة بالصلاة، وأثبت في نفسي أن الصلاة لا تصح بالأعضاء إن لم يكن الفكر نفسه طاهرًا يصلي لله مع الجسم، فإن كانت الصلاة بالجسم وحده لم يزدد المرء من روح الصلاة إلا بُعْدًا. وقر هذا في نفسي واعتدته، إذ كنت أتعبد على مذهب الإمام الشافعي "رضي الله عنه"، فأصحح الفكر، وأستحضر النية في قلبي، وأنحصر بكلي في هذا الجزء الطاهر قبل أن أقول:"الله أكبر"؛ وبذلك أصبح فكري قادرًا على أن يخلع الدنيا متى شاء ويلبسها، وأن يخرج منها ثم يعود إليها؛ ونشأت فيه القوة المصممة التي