وفلانة هذه طفلة من ذوات القربى، فأفرحني ذلك وأبهجني؛ وقلت للرجل الذي في عقلي: أصبحت زوجًا أيها الرجل.
وكان هذا الرجل الجاثم في عقلي هو غروري يومئذ وكبريائي، فكنت أقع في الخطأ بعد الخطأ وآتي الحماقة بعد الحماقة، وكنت طفلًا ولكن غروري ذو لحية طويلة.
ونشأتُ على ذلك: صُلْب الرأي معتدًّا بنفسي، إذا هممت مضيت، وإذا مضيت لا ألْوِي، وما هو إلا أن يخطر لي الخاطر فأركب رأسي فيه، ولأن تُكسَر لي يد أو رجل أهون علي من أن يكسر لي رأي أو حكم؛ وأكسبني ذلك خيالًا أكذب خيال وأبعده، يخلط علي الدنيا خلطًا فيدعني كالذي ينظر في الساعة وهي اثنا عشر رقمًا لنصف اليوم الواحد، فيطالعها اثني عشر شهرًا للسنة.
وترامت حريتي بهذا الخيال فجاوزت حدودها المعقولة، وبهذه الحرية الحمقاء وذلك الخيال الفاسد، كذبت علي الفكرة والطبيعة.
ولست جميل الطلعة إذا طالعت وجهي، ولكني مع ذلك معتقد أن الخطأ في المرآة, إذ هي لا تظهر الرجل الوضيء الجميل الذي في عقلي, ولست نابغة، ولكن الرجل الذي في عقلي رجل عبقري؛ وهذا الذي في عقلي رجل متزوج؛ فيجب علي أنا الطفل أن أكون رزينًا رزينًا كوالد عشرة أولاد في المدارس العليا.
وذهبتُ بكل ذلك أرى فلانة زوجتي، فأغلقتِ الباب في وجهي واختبأتْ مني، فقلت في نفسي: أيها الرجل، إن هذا نشوز وعصيان، لا طاعة وحب. وساءني ذلك وغمني وكبر علي، فأضمرت لها الغدر، فثبتت بذلك في ذهني صورة "الباب المغلق"، وكأنه طلاق بيننا لا باب.
قال: ثم شب الرجل فكان بطبيعة ما في نفسه كالزوج الذي يترقب زوجته الغائبة غيبة طويلة: كل أيامه ظمأ على ظمأ، وكل يوم يمر به هو زيادة سنة في عمر شيطانه. وكان قد انتهى إلى مدرسته العالية، وأصبح رجل كتب وعلوم وفكر وخيال؛ فعرضت له فتاة كاللواتي يعرضن للطلبة في المدارس العليا، ما منهن على صاحبها إلا كالخيبة في امتحان. بيد أن "الرجل" لم يعرف من هذه الفتاة إلا أوائل المرأة, ولم يكد يستشرف لأواخرها حتى سُميت على غيره، فخُطبت، فزُفت؛ زُفت بعد نصف زوج إلى زوج.