أهلها، فخلطوني بأنفسهم، وقالوا: شاب وعزب, ومتعلم وسَرِيّ, فلم يكن لدارهم "باب مغلق"، حتى لو شئت أن أصل إلى كريمتهم في حرام وصلت، ولكني رجل يحمل أمانة الرجولة.
أما الفتاة فلست أدري -والله- أفيها جاذبية نجم، أم جاذبية امرأة؟ وهل هي أنثى في جمالها، أو هي الجمال السماوي أتى ينقح الفنون الأرضية لأهل الفن؟
إذا التقينا قالت لي بعينيها: هنا أنا ذي قد أرخيت لك الزمام، فهل تستطيع فرارًا مني؟ ونلتصق فتقول لي بجسمها: أليست الدنيا كلها هنا، فهل في المكان مكان إلا هنا؟ ونفترق فتحصر لي الزمن كله في كلمة حين نقول: غدًا نلتقي.
كلامها كلام متأدب، ولكنه في الوقت نفسه طريقة من الخلاعة، تلفتك إلى فمها الحلو؛ والحركة على جسمها حركة مستحية، ولكنها في الوقت عينه كالتعبير الفني المتجسم في التمثال العاري.
إنها -والله- قد جعلت شيطاني هو عقلي؛ أما هذا العقل الذي ينصح ويعظ ويقول: هذا خير وهذا شر, فهو الشيطان الذي يجب أن أتبرأ منه.
قال: وألم الأب بقصة فتاه، ويحسبها نزوة من الشباب يخمدها الزواج، فيقول في نفسه: إن للرجل نظرتين إلى النساء: نظرة إليهن من حيث يختلفْنَ، فتكون كل امرأة غير الأخرى في الخيال والوهم والمزاج الشعري؛ ونظرة إليهن من حيث يتساوين في حقيقة الأنوثة وطبيعة الاحترام الإنساني، فتكون كل امرأة كالأخرى ولا يتفاوتن إلا بالفضيلة والمنفعة, ويقرر لنفسه أن ابنه رجل متعلم ذو دين وبصر، فلا ينظر النظرة الخيالية التي لا تقنع بامرأة واحدة، بل لا تزال تلتمس محاسن الجنس ومفاتنه، وهي النظرة التي لا يقوم بها إلا بناء الشعر دون بناء الأسرة، ولا تصلح عليها المرأة تلد أولادًا لزوجها، بل المرأة تلد المعاني لشاعرها.
ثم احتاط في رأيه، فقدر أن ابنه ربما كان عاشقًا مفتونًا مسحورًا، ذا بصيرة مدخولة وقلب هواء وعقل ملتات، فيتمرد على أبيه ويخرج عن طاعته، ويحارب أهله وربه من أجل امرأة، بيد أنه قال: إنه هو والده، وهو رباه وأنشأه في بيت فيه الدين والخلق والشهامة والنجدة، وإن محاربة الله بامرأة لا تكون إلا عملًا من أعمال البيئة الفاسدة المستهترة، حين تجمع كل معاني الفساد والإباحة والاستهتار في كلمة "الحرية". وقال: إن البيئة في العهد الذي كان من أخلاقه الشرف والدين