للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضعف، تقول للنبي العظيم الذي جاء يمحوها ويديل منها: إننا أشياء ثابتة في البشرية.

لم يكن منهم الأشراف والسفهاء والعبيد، بل كان منهم العسف، والرق، والطيش، تسخر ثلاثتها من نبي العدل، والحرية، والعقل، فما تسخر إلا من نفسها.

صغائر الحياة قد أحاطت بمجد الحياة، لتثبت الصغائر أنها الصغائر، وليثبت المجد أنه المجد.

كان الفريقان هما الفكرتين المتعاديتين أبدا على الأرض: إحداهما عش لتأكل وتستمتع وإن أهلكت، والأخرى عش لتعمل وتنفع الناس وإن هلكت.

كانت الأقدار تبادي هذا الروح الواسع بذلك الروح الضيق، لينطلق الواسع من مكانه ويستقبل الدنيا التي عليه أن ينشئها. فأولئك الأشراف والسفهاء والعبيد إن هم إلا الضيق، والركود، وذل العيش، حول السعة الروحية، والسمو، وطهارة الحياة.

وقف المعنى السماوي بين معاني الأرض، ولكن نور الشمس ينبسط على التراب فلا يعفره التراب، وما هو بنور يضيء أكثر مما هو قوة تعمل بالعناصر التي من طبيعتها أن تحول، في العناصر التي من شأنها أن تتحول.

وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أولئك المستهزئين قوة أخرى, هي القدرة التي تعمل بهذا النبي للعالم كله، وبهذه القدرة لم ينظر النبي إلى قريش وصولتهم عليه إلا كما ينظر إلى شيء انقضى، فكان الوجود الذي يحيط به غير موجود، وكانت حقيقة الزمن الآتي تجعل الزمن الحاضر بلا حقيقة.

وإلى هذه القدرة توجه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الدعاء البليغ الخالد، يشكو أنه إنسان فيه الضعف وقلة الحيلة، فينطق الإنساني فيه بالشطر الأول من الدعاء يذكر انفراده وآثار انفراده، ويتوجع لما بينه وبين إنسانية قومه، ثم ينطق الروحاني فيه بعد ذلك إلى آخر الدعاء متوجها إلى مصدره الإلهي قائلا أول ما يقول: "إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي".

ولعمري لو نطقت الشمس تدعو الله لما خرجت عن هذا المعنى ولا زادت على قوله: "أعوذ بنور وجهك" تلتمس من مصدر النور الأزلي حياطة وجودها الكامل.

ولق هزئوا من قبل بالمسيح "عليه السلام" فقال للساخرين منه: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته. وبهذا رد عليهم رد من انسلخ منهم، وقال لهم قول

<<  <  ج: ص:  >  >>