والذين قالوا: إن الإسراء والمعراج كانا رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم احتجوا لذلك بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}[الإسراء: ٦٠] . وقد خلط المفسرون في هذا أيضا، وإنما كان التعبير بلفظ "الرؤيا" -وهي التي تكون منامًا- لنفي تأثير الحواس على الرائي، وإثبات أن الطبيعة الآدمية بجملتها كانت فيه كالنائمة عن حياتها الأرضية بحقائقها وأخيلتها معا، فليس نائما كالنائم، ولا مستيقظا كالمستيقظ.
وفي أساس القصة جبريل والبراق، وهما القوة الملائكية والقوة الطبيعية، أو الروح الملائكي، والروح الطبيعي، ولم يوصف البراق بأنه دابة إلا رمزًا، إذ لا يأتي للعرب أن يفهموا ما يراد منه؛ وعندنا أنه سمي البراق من البرق، وما البرق إلا الكهربائية، وهذا هو المراد منه؛ فتلك قوة كهربائية متى نبضت جمعت أول العالم بآخره؛ وهذه هي الحكمة في أن آية الإسراء لم تذكر أنه كان محمولا على شيء، إذ لم يكن محمولا إلا على روح الأثير.
وما دامت القوة الملائكية والقوة الطبيعية قد سخرتا له صلى الله عليه وسلم فلا معنى لأن يكون ذلك للروح دون الجسم، بل اجتماعهما معا في القصة دليل على أن سر المعجزة إنما كان في تيسير ملاءمة جسمه الشريف لهاتين الحالتين؛ فيتحول في صورة كونية ملائكية بين سر الملك وسر الطبيعة، وحينئذ لا تجري عليه أحكام الحواس ولا أحكام المادة.
ومن الممكن أن تتحول الأجسام إلى حالتها الأثيرية في بعض الأحوال الخارقة، وبهذا يعلل طي الأرض لبعض الروحانيين, وتعلل خوارق كثيرة مما يحدث في استحضار الأرواح لهذا العهد، ومما يأتيه فقراء الهند، ومما كان يصنعه "هوديني" الأمريكي: إذ كانوا يغللونه بالسلاسل والقيود ثم يرونه طليقا؛ ويحسبونه في السجون المحصنة يقوم عليها الحراس وتمسكه فيها الأبواب والجدران ثم يجدونه في بعض الفنادق.
وليس للعقل أن ينكر شيئا من هذه ونحوه، فإن تركيب الطبيعة رد عليه، ونقصه هو رد على نفسه، والمستحيل على الأعمى هو أيسر الممكنات على المبصر.
فأنت ترى أن ذكر البراق والملك في أساس قصة الإسراء والمعراج هو صلة القصة بالمعجزة، وهو عينه صلتها بالبرهان؛ ولو لم يكونا فيها لما كان لها تفسير.