الأحمر، والتطاريف الوردية على ذيل الشمس. وأصبح الناس ينظر أكثرهم إلى أكثرهم بأعين فيها معنى وحشي لو لمس لضرب أو طعن أو ذبح.
وعملت المدنية أعمالها فلم تزد على أن أخرجت الشكل الشعري لإنسانها الفني متهافتا ترفا، ونعمة، وافتتانا بين ذلك من أيسر الحلال إلى الفظيع المتفاحش في الإباحة؛ فكأنما وضعت المدنية عقلا في وحش، فجاء وقد زاغت فيه الطبيعة من ناحيتين؛ ثم قابلته بالشكل الوحشي لإنسانها الفقير، فكأنما نزعت عقلا من إنسان، فجاء وقد ضلت فيه الطبيعة من ناحيتين؛ وكان مع الأول سرف الهوى بالطبيعة، وكان مع الثاني بالطبيعة سرف الحماقة.
وقد أصبح من تهكم الحياة بأهلها أن يكون الفقير فقيرًا وهو يعلم أن صناعته في المدنية عمل الغني للأغنياء ... وأن يكون الغني غنيا وهو يعلم أن عمله في المدنية هو صنعة الفقر لضميره!
وخرجت من هذا وذاك مسائل جديدة في فلسفة المعايشة الإنسانية التي يسمونها "الاجتماع"؛ إلى أسئلة كثيرة لو ذهبنا نعدها ونصفها لطال بنا القول، وكلها عاملة على نزع الشعور العقلي من الحياة لتظهر أسخف مما هي، وأقبح ممن كانت؛ حتى أصبحت الشمس تطلع تمحو ليلا عن المادة وتلقى ليلا على النفس، في حين أن الدين والإنسانية لا يعملان غير بث هذا النور العقلي في الأشياء والمعاني لتظهر الحياة مضيئة ملتمعة، فتصبح أوضح مما هي في نفسه، وأجمل مما هي في الطبيعة.
في مثل هذه النزعات المتقاتلة التي صعدت بالفلسفة ونزلت، وجعلت من العلم في صدر الإنسانية ملء سماء من الغيوم بسوادها ورعدها وصواعقها، وتركت العالم يضج ضجيجه المزعج في قلب كل حي حتى لتذاع الهموم إلى قلوب الناس إذاعة الأصوات إلى أسماعهم في "الراديو" ... في مثل هذا البلاء الماحق تتلفت الإنسانية إلى التاريخ تسأله درسا من الكمال الإنساني القديم تطب منه لهذه الحماقات الجديدة، ولو علمت لعلمت أن درس هذا العصر في علاج مشاكله الإنسانية هو "محمد" صلى الله عليه وسلم، الذي لن يبلغ أحد في وصفه الاجتماعي ما بلغ هو في قوله:"إنما أنا رحمة مهداة".
هذا المصلح الاجتماعي الأعظم يلقى فقره اليوم درسا على الدنيا العلمية الفلسفية، لا من كتاب ولا فكر, ولكن بأخلاقه وعمله وسيرته؛ إذ ليس المصلح من فكر وكتب، ووعظ وخطب، ولكنه الحي العظيم الذي تلتمسه الفكرة العظيمة