أكثرها في الحرمان والإيثار والصبر والاحتمال، ويردها إلى أضداد هذه الصفات، فيقوم أمرها بعد على الأثرة والمصلحة والتفادي والضجر والتبرم والإلحاح والإزعاج، ويضعف معنى السلب الراسخ في نفسها من أصل الفطرة؛ فيتبدل حياؤها، وفي الحياء ردها عن أشياء؛ ويقل إخلاصها، وفي الإخلاص رد لها عن أشياء أخرى؛ ويكثر طمعها، وفي قناعتها محاجزة بينها وبين الشر.
وبهذا ونحوه يفسد ما بين الرجل والمرأة المتصنعة؛ فإذا كثر المتصنعات لا يكون من النساء مشاكل فقطن بل تكون من حلول المشاكل معهن مشاكل أخرى.
ولباب هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يجعل نفسه في الزواج المثل الشعبي الأكمل كما هو دأبه في كل صفاته الشريفة، فهو يريد أن تكون زوجاته جميعًا كنساء فقراء المسلمين، ليكون منهن المثل الأعلى للمرأة المؤمنة العاملة الشريفة التي تبرع البراعة كلها في الصبر والمجاهدة والإخلاص والعفة والصراحة والقناعة، فلا تكون المرأة زينة تطلب زينة لتتم بها في الخيال، ولكن إنسانية تطلب كمالها الإنساني لتتم به في الواقع.
وهذه الزينة التي تتصنع بها المرأة تكاد تكون صورة المكر والخداع، والتعقد، وكلما أسرفت في هذه أسرفت في تلك، بل الزنية لوجه المرأة وجسمها سلاح من أسلحة المعاني: كالأظافر والمخالب والأنياب، غير أن هذه لوحشية الطبيعة الحية المفترسة، وتلك الوحشية الغريزة الحية التي تريد أن تفترس. ولا تنكر المرأة نفسها أن الزينة على جسمها ثرثرة طويلة تقول وتقول وتقول.
وإنما يكون أساس الكمال الإنساني، في الإنسان العامل المجاهد: لا يحصر نفسه في شيء يسمى متاعا أو زينة، ولا يقدر نفسه بما يجمع لها أو بما يجمع حولها، ولا يعتد ما يكون من ذلك إلا كالتعبير من عمل الشهوات عن الشهوات. ونبينا صلى الله عليه وسلم هو الغاية في هذا. دخل عليه مرة عمر بن الخطاب، فإذا هو على حصير وعليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه. قال عمر: وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وإذا إهاب معلق١، فابتدرت عيناي، فقال: "ما