للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبكيك يابن الخطاب؟ ", قال عمر: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزائنك لا أرى فيها ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزائنك١؟

وجاء مرة من سفر فدخل على ابنته فاطمة "رضي الله عنها" فرأى على بابها سترا وفي يديها قلبين من فضة٢، فرجع؛ فدخل عليها أبو رافع وهي تبكي، فأخبرته برجوع أبيها، فسأله في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "من أجل الستر والسوارين".

فلما أخبرها أبو رافع هتكت الستر٣ ونزعت السوارين فأرسلت بهما بلالا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: قد تصدقت به، فضعه حيث ترى. فقال لبلال: "اذهب فبعه وادفعه إلى أهل الصفة" ٤. فباع القلبين بدرهمين ونصف "نحو ثلاثة عشر قرشا". وتصدق به عليهم.

يا بنت النبي العظيم! وأنت أيضًا لا يرضى لك أبوك حلية بدرهمين ونصف وإن في المسلمين فقراء لا يملكون مثلها.

أي رجل شعبي على الأرض كمحمد صلى الله عليه وسلم، فيه للأمة كلها غريزة الأب، وفيه على كل أحواله اليقين الذي لا يتحول, وفيه الطبيعة التامة التي يكون بها الحقيقي هو الحقيقي.

يا بنت النبي العظيم! إن زينة بدرهمين ونصف، لا تكون زينة في رأي الحق إذا أمكن أن تكون صدقة بدرهمين ونصف؛ إن فيها حينئذ معنى غيره معناها؛ فيها حق النفس غالبا على حق الجماعة، وفيها الإيمان بالمنفعة حاكمًا على الإيمان بالخير؛ وفيها ما ليس بضروري قد جار على ما هو الضروري؛ وفيها خطأ من الكمال إن صح في حساب الحلال والحرام لم يصح في حساب الثواب والرحمة.

تعالوا أيها الاشتراكيون فاعرفوا نبيكم الأعظم؛ إن مذهبكم ما لم تحيه فضائل الإسلام وشرائعه, إن مذهبكم لكالشجرة الذابلة تعلقون عليها الأثمار تشدونها بالخيط ... كل يوم تحلون، وكل يوم تربطون، ولا ثمرة في الطبيعة.


١ الروايات من مثل هذا كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم، وقد بسطنا فلسفة هذه المعاني في مقال" سمو الفقر".
٢ القلب "بالضم": سوار من الفضة غير ملوي، هو الذي يقال له اليوم "الغويشة" وهو خفيف.
٣ أي مزقته؛ وكذلك رأى مرة سترًا على باب عائشة رضي الله عنها فهتكه، وقال: "كلما رأيته ذكرت الدنيا, أرسلي به إلى آل فلان".
٤ الصفة: الغرفة، وأهل الصفة: هم فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه؛ فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>