للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم، وزاد علينا الموتى في النعمة والراحة أنهم لا يتطفلون على أيام غيرهم فيطردوا عن يوم هذا ويوم ذاك.

قال: فاستعبرت المرأة باكية، ولما فرغت من كلام دموعها قالت: كأنك تريد أن تفجعنا فيك؟ قلت: ما عدوت ما في نفسي؛ ولكن هل بقي في من تفجعين فيه؟ أما ذهب مني ذاك الذي كان لك زوجا وكاسبا، وجاء الذي هو همك وهم هذا الصبي من رجل كالحفرة لا تنتقل من مكانها وتأخذ ولا تعطي؟

أم والله لكأني خلقت إنسانا خطأ، حتى إذا تبين الغلط أريد إرجاعي إلى الحيوان فلم يأت لا هذا ولا ذاك، وبقيت بينهما؛ يمر الناس بي فيقولون: إنسان مسكين. وأحسب لو نطقت الكلاب لقالت عني: كلب مسكين. يا عجبا! عجبا لا ينتهي! أصبحت الدنيا في يدنا من العجز واليأس كأنما هي بعرة نجهد في تحويلها ياقوتة أو لؤلؤة.

فقالت المرأة: والله لئن حييت على هذا إن هذا لكفر قبيح، ولئن مت عليه إنه لأقبح وأشد.

فقلت لها: ويحك وماذا تنظر العين المبصرة في الظلام الحالك إلا ما تنظر العمياء؟

قالت: ولم لا تنظر كما ينظر المؤمن بنور الله؟

قلت: فانظري أنت وخبريني ماذا ترين. أترين رغيفًا؟ أترين إدامًا؟ أترين دينارًا؟

قالت: والله إني لأرى كل ذلك وأكثر من ذلك. أرى قمرا سيكشف هذه السدفة المظلمة إن لم يطلع فكأن قد.

قال: فغاظتني المرأة ورأيتها حينئذ أشد علي بقلة ذات عقلها من قلة ذات يدي؛ ولولا حبي إياها ورحمتي لها لأوقعت بها. واستحكم في ضميري أن أزهق نفسي وأدعها لما كتب لها.

وقلت: إن جبن المرأة هو نصف إيمانها حين لا يكون نصف عقلها، وللقدر يد ضعيفة على النساء تصفعهن وتمسح دموعهن، وله يد أخرى على الرجال ثقيلة تصفع الرجل وتأخذ بحلقه فتعصره.

قال: وكنت قد سمعت قول الجاهلية في هذه الخليقة؛ أرحام تدفع، وأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>