وتقييد العينين بهذا المثل الأعلى كما يكون الأمر في الجمال والحب؛ والربط على الإرادة كيلا تتفلت فتسف إلى حقائر الدنيا المسماة هزءا وتهكما زينة الدنيا، تلك التي تشبه حقائق الذباب العالية ... فتكون قذرة نجسة، ولكنها مع ذلك زينة الحياة لهذا الخلق الذبابي.
تلك -والله- هي أسباب السعادة والقوة. أما المصائب كلها، فهي في إغفال القلب الإنساني عن ذكر الله.
قال: ولما صحت توبتي، وقوي اليقين في نفسي، كبرت روحي واتسعت، وانبعثت لها بواعث من غير حقائق الذباب, وأشرق فيها الجمال الإلهي ساطعا من كل شيء، وكان الصبح يطلع علي كأنه ولادة جديدة، فأنا دائما في عمر طفل، وجاءني الخير من حيث أحتسب ولا أحتسب، وكأنما نمت فانتبهت غنيا وعمل القلب الحي في الزمن الحي.
ولقد أفدت من الآية طبيعة لم تكن في، ولا يثبت معها الشر أبدًا، فأصبح من خصالي أن أرى الحاضر كله متحركا يمر بما فيه من خيره وشره جميعًا، وأستشعر حركته مثلما ترى عيناي من قطار الإبل يهتز تحت رحاله وهو يغذ السير.
لم أبعد قليلا وأنا أمشي مطمئنا تائبا متوكلا حتى دعاني رجل ذو نعمة ومروءة وجاه، وكأنما كلمه قلبه أو كلمه وجهي في قلبه فاستنبأني، وبثثته حالي واقتصصت قصتي. فقال: سيحييك الله بالطفل الذي كدت تقتله فارجع إلى دارك. ثم وجه إلي دنانير وقال: اتجر بهذه على اسم الله وبركته فسينمو فيها طفل من المال يبلغ أشده. وقد صدق إيمانه وإيماني، فبارك لي الله ونما طفل المال وبلغ وجاوز إلى شبابه.
قال المسيب: وجلس الرجل وكان كالخطيب على المنبر، فقال الإمام: ما أشبه النكبة بالبيضة تحسب سجنا لما فيها وهي تحوطه وتربيه وتعينه على تمامه، وليس عليه إلا الصبر إلى مدة، والرضى إلى غاية، ثم تنقف البيضة فيخرج خلقا آخر.
وما المؤمن في دنياه إلا كالفرخ في بيضته، عمله أن يتكون فيها، وتمامه أن ينبثق شخصه الكامل فيخرج إلى عالمه الكامل.