كان خبري أني دعيت يوما إلى ما يدعى لمثله الشباب في مجلس غناء وشراب، يا له من مجلس! وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة: ٢٦] ، والبعوضة في قصتي أنا كانت امرأة نصرانية؛ قينة فلان المغنية الحاذقة المحسنة المتأدبة، تحفظ الخبر وتروي الشعر، وتتكلم بألفاظ فيها حلاوة وجهها، وتخلق النكتة إذا شاءت خلق الزهرة المتفتحة عليها، سقيط الندى، وتجد بالحديث ما شاءت وتهزل، فتجعل للكلام عقلا وشهوة تضاعف بهما من تحدثه في شهواته وعقله!
وستجري في قصتها ألفاظ القصة نفسها، لا أتأثم من ذلك ولا أتذمم؛ فقد ذكر الله الخمر ولم يقل:"الماء الذي فيه السكر"، ووصف الشيطان ولم يقل:"الملك الذي عمل عمل المرأة الحسناء في تكبرها"، وذكر الأصنام بأنها الأصنام، ولم يسمها:"حاملة السماء التي يصنعها الإنسان بيديه" وحكاية ما بين الرجل والمرأة هي كلام يقبل بعضه بعضا ويلتزم ويتعانق!
قال المسيب: فتبسم إمامنا ونظرت عيناه تسألان سؤالا. أما مجاهد الأزدي فكان من هزة الطرب كأنه على قتب بعير، وقال: لله دره فتى، إن هذا لبيان كحيل العين.
ثم قال الفتى: وذهبت إلى المجلس وقد جعلته هذه المغنية من حواشيه وأطرافه كأنه تفسير لها هي. أما هي فجعلت نفسها تفسيرا لكلمة واحدة هي:"اللذة".
قال المسيب: وطرب مجاهد طربا شديدًا، وسمعته يخافت بصوته يقول:"لله درها امرأة؛ هذه، هذه عدوة الحور العين! ".
ثم قال الفتى: وتطرب جماعة أهل المجلس إلى الشرب، وما ذقت خمرا قط, ولن أتذوقها ولو شربها الناس جمعيا، ولن أذوقها ولو انقطع الغيث ولم تمطر السماء إلا خمرًا؛ فإني مذ كنت يافعا رأيت أبي يشربها، وكانت أمي تلومه فيها وتشتد في تعنيفه وتحتدم، وكانا يتشاحنان فينالها بالأذي ويندرئ عليها بالسب وفحش القول. وسكر مرة وغلبه السكر حتى ثارت أحشاؤه، فذرعه القيء فتوهمني وعاء، وجاء إلي وأنا جالس فأمسك بن وقاء في حجري، حتى أفرغ جوفه؛ وثارت أمي لتنتزعه وأنشأت تعالجه عني فتصارع جنونه وعقلها حتى كفأته على وجهه كالإناء؛ فالتوى كالحية بطنا لظهر، واستجمع كالقنفذ في شوكه، ثم