ورأيت رجلا ذبح نفسه يريد أن يصرخ يسأل الله الرحمة، فلا يخرج الصوت من حلقه، إذ كان قد فراه وبقي مفريا! وأبصرت آخر قد طعن في قلبه بمدية، فهو هناك تسلخ الزبانية قلبه تبحث هل فيه نية صالحة, فلا تزال تسلخ ولا تزال تبحث!
ورأيت آخر كان تحسى من السم فمات ظمآن يتلظى جوفه، فلا تزال تنشأ له في النار سحابة رؤية تبرق بالماء، فإذا دنت منه ورجاها، انفجرت عليه بالصواعق ثم عادت تنشأ وتنفجر!
وقال رجل: إنما كنت مجنونا ضعيفا عاجزًا فأزهقت نفسي. فنودي: أوما علمت أن الله يحاسبك على أنك عاقل لا مجنون، وقوي لا ضعيف، وقادر لا عاجز؟ كنت تعقل بالأقل أنك ستموت، وكنت تقوى على أن تصبر، وكنت تقدر أن تترك الشر.
وقال رجل عالم قد حز في يده بسكين فمات:"لم يكن الكمال من الدنيا ولا في طبيعتها ولا هو شيء يدرك"، فصرخ فيه صوت رهيب:"ولكن من عظمة الكمال أن استمرار العمل له هو إدراكه! ".
قال أبو عبيد: ثم انتصب بإزائي شيطان مارد أحمر، يلتمع التماع الزجاج فيه الخمر، فقام في وجهي وقال: بماذا جئت إلى هنا يا عدو الخمر؟ فما كان إلا أن سمعت النداء: شفعت فيك الخمر التي لم تشربها، اخرج، إن إيمانك ينتظرك.
فصحت: الحمد لله! وتحرك بها لساني، فانتبهت.
لقد علمت أن الصبر على المصائب نعمة كبرى لا ينعم الله بها إلا في المصائب.