إن رؤية القبر زيادة في الشعور بقيمة الحياة، فيجب أن يكن معنى القبر من معاني السلام العقلي في هذه الدنيا.
القبر فم ينادي: أسرعوا أسرعوا، فهي مدة لو صرفت كلها في الخير ما وفت به؛ فكيف يضيع منها ضياع في الشر أو الإثم؟ لو ولد الإنسان ومشى وأيفع وشب واكتهل وهرم في يوم واحد، فما عساه كان يضيع من هذا اليوم الواحد؟ إن أطول الأعمار لا يراه صاحبه في ساعة موته إلا أقصر من يوم.
ينادي القبر: أصلحوا عيوبكم، وعليكم وقت لإصلاحها؛ فإنها إن جاءت إلى هنا كما هي، بقيت كما هي إلى الأبد، وتركها الوقت وهرب.
هنا قبر، وهناك قبر، وهنالك القبر أيضًا؛ فليس ينظر في هذا عاقل إلا كان نظره كأنه حكم محكمة على هذه الحياة كيف تنبغي وكيف تكون.
في القبر معنى إلغاء الزمان، فمن يفهم هذا استطاع أن ينتصر على أيامه، وأن يسقط منها أوقات الشر والإثم، وأن يميت في نفسه خواطر السوء؛ فمن معاني القبر ينشأ للإرادة عقلها القوي الثابت؛ وكل الأيام المكروهة لا تجد لها مكانًا في زمن هذا العقل, كما لا يجد الليل محلا في ساعات الشمس.
ثلاثة أرواح لا تصلح روح الإنسان في الأرض إلا بها:
روح الطبيعة في جمالها، وروح المعبد في طهارته، وروح القبر في موعظته.