أعمالنا في الحياة هي وحدها الحياة، لا أعمارنا، ولا حظوظنا، ولا قيمة للمال، أو الجاه، أو العافية، أو هي معا إذا سلب صاحبها الأمن والقرار! والآمن في الدنيا من لم تكن وراءه جريمة لا تزال تجري وراءه، والسعيد في الآخرة من لم تكن له جريمة تطارده وهو في السماوات.
كيف يمكن أن تخدع الآلة صاحبها وفيها "العداد"؛ ما تتحرك من حركة إلا أشعرته فعدها؟ وكيف يمكن أن يكذب الإنسان ربه وفيه القلب؛ ما يعمل من عمل إلا أشعره فعده؟
٣- ورأيت العروس قبل موتها بأيام.
أفرأيت أنت الغنى عندما يدبر عن إنسان ليترك له الحسرة والذكرى الأليمة؟ أرأيت الحقائق الجميلة تذهب عن أهلها فلا تترك لهم إلا الأحلام بها؟ ما أتعب الإنسان حين تتحول الحياة عن جسمه إلى الإقامة في فكره!
وما هي الهموم والأمراض؟ هي القبر يستبطئ صاحبه أحيانا فينفض في بعض أيامه شيئا من ترابه!
رأيت العروس قبل موتها بأيام، فيالله من أسرار الموت ورهبتها! فرغ جسمها كما فرغت عندها الأشياء من معانيها! وتخلى هذا الجسم عن مكانه للروح تظهر لأهلها وتقف بينهم وقفة الوداع!
وتحول الزمن إلى فكر المريضة؛ فلم تعد تعيش في نهار وليل، بل في فكر مضيء أو فكر مظلم!
يا إلهي! ما هذا الجسم المتهدم المقبل على الآخرة؛ هو تمثال بطل تعبيره، أم تمثال بدأ تعبيره؟
لقد وثقت أنه الموت، فكان فكرها الإلهي هو الذي يتكلم؛ وكان وجهها كوجه العابد عليه طيف الصلاة ونورها. والروح الإنسانية متى عبرت لا تعبر إلا بالوجه.
ولها ابتسامة غريبة الجمال؛ إذ هي ابتسامة آلام أيقنت أنها موشكة أن تنتهي! ابتسامة روح لها مثل فرح السجين قد رأى سبحانه واقفا في يده الساعة يرقب الدقيقة والثانية ليقول له: انطلق!