للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد في درس الإمام أحمد، وهو يحدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا عظمت أمتي الدنيار والدرهم، نزع منها هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حرموا بركة الوحي" , وهم أن يتكلم في تفسيره١ ولكنه رآني فأمسك عنه وأقبل علي فقال: يا حسين! إذا اجتزأ شيخك بالرغيف فهذا عنده هو قدر الضرورة؛ فإن أكل الطيبات فقد عرضت حال جعلت هذه الطيبات عنده هي قدر الضرورة؛ وفي هذه النفوس السماوية لا يكون الجزء الأرضي إلا محدودًا، فلا يكون محصوله إلا ما ترى من قدر الضرورة.

ولما صغر الجزء الأرضي في نفوس المسلمين الأولين ملكوا الأرض كلها بقوة الجزء السماوي فيها، إذ كانت إرادتهم فوق الأطماع والشهوات، وكانت بذلك لا تذل ولا تضعف ولا تنكسر؛ فالآدمية كلها تنتهي إلى بعض صور، وهؤلاء هم الذين محلهم في أعلاها.

يا حسين! ألا وإن رد خمسين ألف دينار هو كذلك قدر الضرورة.

قال حسين: وذهبت أعترض على الإمام بما كان في نفسي من أن هذا المال وإن لم يكن من كسبه، فقد كان يتحول في يده عملا من أعمال الخير؛ وأنسيت أن هذه الصدقات هي أوساخ الناس وأقذار نفوسهم، فلم أكد أفتح فمي حتى رأيت الكلام يتحول طينا في فمي ليذكرني بهذا المعنى؛ وكدت أختنق فانتفضت أتنفس، فطار النوم والحلم.


١ سيأتي تفسيره في مجلس آخر من مجالس ابن مسكين.

<<  <  ج: ص:  >  >>