من أبواب المعاصي، ونتورع مع أهل الورع كما نتسخف مع أهل السخف؛ ولكن الرجل رجل وفيه حقيقة الزاهد، فقد أعطي القوة على جعل شهوات نفسه أشخاصًا حية يعاديها ويقاتلها، فإذا أنا جعلت شهوته في اللذة قتل اللذة، وإذا جعلتها في الكآبة قتل الكآبة، وليس الزاهد العابد هو الذي يتقشف ويتعفف، ويتخفف ويتلفف، فإن كثيرًا ما تكون هذه هي أوصاف الذل والحمق، ويكون لها عمل العبادة وفيها إثم المعصية. ولكن الزاهد حق الزاهد من أدار في هذه الأشياء عينا قد تعلمت النظر بحقه والإغضاء بحقه؛ فهذا لا يخطئ معنى الشر إن لبسناه عليه في صورة الخير ولا معنى الخير إن زورناه في صورة الشر، وبذلك يضع نفسه في حيث شاء من المنزلة، لا في حيث شاءت الدنيا أن تضعه من منازلها الدنيئة.
وما أكل بشر هذه الطيبات إلا ليبادر بها وسوستي ويردني عن نفسي وعن اللمة بقلبه، فلو أنه أعجبه زهد ابن حنبل ونظر من ذلك إلى زهد نفسه لحبط أجره؛ فبهذه الطيبات علاج نفسه علاج مريض، وقد غير على جوفه طعاما بطعام، كما يبدل على جلده ثوبا بثوب؛ ولا شهوة للجلد في أحدهما.
قال المغازلي: وثقل النوم علي ثقلة أخرى، فرأيتني في واد عظيم، وفي وسطه مثل الطود من الحجارة قد ركم بعضها على بعض، ورأيتني مع بشر أقص عليه خبر أحمد بن حنبل؛ فقال: انظر -ويحك- إن الناس يسمونها خمسين ألف دينار، وهي هنا في وادي الحقائق خمسون ألف حجر لو أصابت أحمد لقتلته ولكانت قبره آخر الدهر.
إن المال يا بني هو ما يعمله المال لا جوهره من الذهب والفضة، فإذا كنت بمفازة ليس فيها من يبيعك شيئا بذهبك. فالتراب والذهب هناك سواء؛ والفضائل هي ذهب الآخرة؛ فهنا تجدد بالمال دنياك التي لا تبقى أكثر من بقائك، وهناك تجدد بالفضائل نفسك التي تخلد بخلودها.
ومعنى الغنى معنى ملتبس على العقول الآدمية لاجتماع الشهوات فيه، فحين يرد أحمد بن حنبل خمسين ألفا، يكون هذا المعنى قد صحح نفسه في هذا العمل وجها من التصحيح.
قال حسين المغازلي: وغطني النوم في أعماقه غطة أخرى؛ فإذا أنا في