ورجعت إلى داري وأنا أقول: ثم ماذا يا إبليس؛ ثم ماذا أيها الدعبب١ وحاولت بجهدي أن أكتب أو أقرأ فلم أتحرك لشيء من ذلك، وكانت الساعة العاشرة ليلًا، فصليت وأويت إلى مضجعي.
ثم أصبحت يوم السبت، فإذا كتاب من الأستاذ صاحب "الرسالة": أنه سيطبع عددين معا فيريد لهما مقالتين، إذ تغلق المطبعة في أيام عيد الأضحى. وكان أملي في المقالة الواحدة مخذولا مما قاسيت، فكيف لي باثنتين؟
واختلط في نفسي هم بهم، وما يفسد علي أمري شيء مثل الضيق، فإذا تضايقت كنت غير من كنت؛ ولكني تيقظت وتنبهت وأملت العافية مما أجده من ثقلة البرد وضعفته، وأحدثت طمعا في النشاط إذ جلست للكتابة في الليل، فإني بالنهار أعمل للحكومة.
فلما كان الليل لم أجد أمري على ما أحب، وجلست متفترا معتلا، وثقل رأسي من ضربة النافذة، وتسلط علي ظن المرض والعجر عن الكتابة، وانتقض الأمر كله فرأيتني أشق على نفسي بلا طائل، فكان من صواب التدبير عندي أن أستجم بالنوم ثم أنهض في السحر للكتابة, فأوصيت من يوقظني؛ وحررنا الساعة المنبهة على تمام الثانية بعد منتصف الليل.
وأحسست أني جائع، وأن معدتي مشحوذة، ونسيت كل ما أعرف من الطب؛ وجاءوني بشواء وحلوى وما بينهما، فحططت فيه ولففت الآخر بالأول، ثم قمت أريد النوم، فإذا الطعام كان أشد علي من نافذة القطار، وكان الذي في الفكر من المقالة أثقل من الذي في المعدة من الطعام، وساء الهضم في الدماغ والبطن جميعا.
وجعلت أتناوم وأرخي أعضائي وأتوهم الكرى وأستدنيه بكل ما أعرف من وسيلة، ثم لا أزداد على ذلك إلا أرقا، وتمرد الفكر، وأحسست رأسي يكاد ينفجر، وصرت أتململ ولا أتقار، وتوهمت أن لو كان لي عقلان ما استطعت كتابة المقالة عن إبليس لعنه الله؛ وأذكرني الخبيث نادرة مضحكة: أن رجلا كان يركب حمارًا ضعيفا، وكان يبعثه فلا ينبعث، فجعل يضربه، فقيل له: ارفق به. فقال: إذا لم يقدر يمشي فلم صار حمارًا؟
١ الدعبب والمداعب والدعابة "بتشديد العين": كلها بمعنى.