مجرى وحدًا؛ ونظر العمر كله كأنه يوم واحد يرقب مغرب شمسه؛ وأخذ من إرادته قوة أنسته ما لم تعطه الدنيا، فلم يحفل بما أعطت الدنيا وما منعت؛ وعاش على فقره بكل ذلك كما يعيش المؤمن في الجنة, هذا في قصر من لؤلؤة أو ياقوتة أو زبرجدة، وذاك في قصر من الحكمة أو من الإيمان أو من العقل.
قال الشيطان: فلما أعجزني صلاحا ورضى وصبرًا وقناعة وإيمانا واحتسابا، وكان رجلا عالما فقيها سولت له أن يخرج إلى المسجد ليعظ الناس فينتفعوا به، ويبصرهم بدينهم, ويتكلم في نص كلام الله؛ فعقد المجلس ووعظ، وانصرفوا وبقي وحده.
فجاءت امرأة تسأله عن بعض ما يحتاج إليه النساء في الدين من أمر طبيعتهن؛ وكانت امرأة جزلة غضة رابية، يهتز أعلاها وأسفلها، وتمشي قصيرة الخطو مثاقلة كالمتضايقة من حمل أسرار جمالها وأسرار بدنها الجميل؛ فبعض مشيتها يقظة وبعضها نوم فاتر تخالطه اليقظة؛ ولا يراها الرجل الفحل التام الفحولة إلا رأى الهواء نفسه قد أصبح من حولها أنثى، مما تعصف به ريحها العطرة عطر زينتها وجسمها.
وكان الواعظ قد ترمل من أشهر، وكانت المرأة قد تأيمت من سنوات؛ فلما رآها غض طرفه عنها؛ ولكنها سألته بألفاظها العذبة عن أمور هي من أسرار طبيعتها، وسألته عن طبيعتها بألفاظها؛ فسمع منها مثل صوت البلور، يتكسر بعضه على بعض.
وتحدثت له وكأنها تتحدث فيه: فسمع بأذنه ودمه، ثم كان غض عينه أقوى لرؤية قلبه وجمع خواطره.
ورأى صوتها يشتهي؛ وعانقته رائحتها العطرية النفاذة؛ وأحاطته بجو كجو الفراش؛ وعادت أنفاسها كأنها وسوسة قبل؛ وصارت زفراتها كالقدر إذا استجمعت غليانًا؛ وطلعت في خياله عريانة كما تطلع للسكران من كأس الخمر حورية عريانة، لها جسم يبدو من اللين والبضاضة والنعمة كأنه من زبد البحر؟
قال أبو الحسن: وكنت كالنائم، فما شعرت إلا بصوت كصك الحجر بالحجر، لا كتكسر البلور بعضه على بعض، وسمعت شيخي يقول: