للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال كليلة: وكم من مغرور ينزل نفسه من الأنبياء منزلة هذه الأرنب من أولئك العلماء؛ فيقول: كذبوا وصدقت أنا، وأخطئوا حميعًا وأصبت، والتبس عليهم وانكشف لي، وهم زعموا وأنا المستيقن. ثم لا دليل له إلا مثل دليل الأرنب الخرقاء من هنة تتحرك في ذنبها.

وكان يقال: إنه لا يجاهر بالكفر في قوم إلا رجل هان عليهم فلم يعبئوا به، فهو الأذل المستضعف، أو رجل هانوا عليه فلم يعبأ بهم، فهو الأعز الطاغية، ذاك لا يخشونه فيدعونه لنفسه وعليه شهادة حمقه، وهذا يخشونه فيتركون معارضته وعليه شهادة ظلمه، وما شر من هذا إلا هذا.

وقالت العلماء: إن كنت حاكمًا تشنق من يخالفك في الرأي، فليس في رأسك إلا عقل اسمه الحبل؛ وإن كنت تقتل من ينكر عليك الخطأ، فليس لك إلا عقل اسمه الحديد؛ وإن كنت تحبس من يعارضك بالنظر، ففيك عقل اسمه الجدار؛ أما إن كنت تناظر وتجادل، وتقنع وتقتنع، وتدعو الناس على بصيرة ولا تأخذهم بالعمى ففيك العقل الذي اسمه العقل.

قال كليلة: وأنا يا دمنة، فلو كنت قائدًا مطاعًا، وأميرًا متبعًا، لا يعصى لي أمر، ولا يرد علي رأي، ولا ينكر مني ما ينكر من المخلوق إذا أخطأ، ولا يُقال لي دائمًا إلا إحدى الكلمتين: أصبت, ثم هي دائما أصبت؛ ولا يلقاني أحد من قومي بالكلمة الأخرى، رهبة من سخطي، رهبة الجبناء، أو رغبة في رضاي رغبة المنافقين، وزعموا أنهم على ذلك قد صحت نياتهم وخلص لي باطنهم جميعًا, فلو كنت وكانوا على هذا، لأحالني نقصهم إلى نقص العقل بعد كماله، وردتني فسولتهم إلى فسولة الرأي بعد جودته، فأخلق بي أن أعتبر وضعهم إياي في موضع الآلهة، هو إنزالهم إياي في منزلة الشياطين؛ وإلا كنت حقيقا أن يصيبني ما أصاب العنز التي زعموا لها أنها أنثى الفيل.

قال دمنة: وكيف كان ذلك؟

قال: زعموا أنه كان في إحدى خرائب الهند جماعة من العظماء، وكان فيها عضرفوط كبير١، فملكته الجماعة وذهبت تأتمر على أمره وتنتهي. فمر بهذه الخربة.


١ العظاء: جمع عظاءة وعظاية، وهي هذه الدويبة التي يقال لها "السحلية"، والعضرفوط ضرب من العظاء يكون أكبر منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>