فيل جسيم من الفيلة الهندية العظيمة، لم يحس بالعظاء، ولم يميز فرقا بين هذه الأمة من الحشرات وبين الحصى منثورا يلتمع في الأرض هنا وهنا؛ قالوا فغضب العضرفوط"، وكان قائدا عظيما، ثم تدبر أمر الفيل ينظر كيف يصنع في مدافعته، وكيف يحتال في هلاكه، فرآه لا يتحرك إلا بأقدامه ينقلها واحدة واحدة؛ فقدر عند نفسه أنه لو أزال قدم الفيل عن الأرض زال الفيل نفسه؛ فجاء فاعترض الطريق، ودب دبيبه؛ فلما رفع الفيل قدمه اهتبل هذه الغفلة منه. واندس تحتها، فاندس مقبورا في التراب!
ثم إن العظاء افتقدت أميرها. فلما مضى الفيل لسبيله ورأت ما نزل بها، نفرت إلى أحجارها، واستكنت فيها ترتقب وتتربص، فدخلت إلى الخربة عنز جعلت تتقمم منها وترتع فيها، ورأتها العظاء فاجتمعن يأتمرن ...
فقال منها قائل: هذه أنثى الفيل. فسألت عظاية منهن: وأين النابان العظيمان؟
قالت الأولى: إن الإناث دون الذكورة في خلقها، الأنثى هي الذكر مقلوبا أو مختصرا أو مشوهًا، ولذلك هن يقلبن الحياة أو يختصرنها أو يشوهنها، أفلا ترين النابين العظيمين البارزين في ذلك الفيل الجسيم، كيف نبتا صغيرين منقلبين فوق رأس أنثاه؟
فقالت واحدة: إن جاز قولك في الرأي فأين الخرطوم؟
قالت الأخرى: هو هذه الزنمة المتدلية من حلقها، وذلك خرطوم على قدر أنوثة الأنثى ... !
قالوا: ثم اجتمع رأيهن على أن يملكن أنثى الفيل هذه؛ وأن يهبن لها الخربة وأمتها. وسمعت الماعزة كلامهن فقالت في نفسها: لا جرم أن تكون العنز فيلة في أمة من العظاء، فقد قالت العلماء: إنه لا كبير إلا بصغير، ولا قوي إلا بضعيف، ولا طاغية إلا بذليل؛ وإن العظمة إن هي إلا شهادة الحقارة على نفسها، وإنه رب عظيم طاغية متجبر ما قام في الناس إلا كما تقوم الحيلة، ولا عاش إلا كما يعيش الكذب، ولا حكم إلا كما يحكم الخداع، وهذه الدنيا للمحظوظ كأنها دنيا له وحده، فمتى جاءت إليه فقد جاءت، ولو أنها أدبرت عنه من ناحية لرجعت من ناحية أخرى، ليثبت الحظ أنه الحظ.
وتقدم العظاء إلى العنز، فقلن لها: أيتها الفيلة العظيمة، إن قرينك العظيم قد مس أميرنا العضرفوط بقدمه فيغبه تحت سبع أرضين، وأنت أنثاه وسيدته، فقد اخترناك ملكة علينا، ووهبنا لك الخربة وما فيها.