رأيتني جالسا في مسرح هزلي بمدينة إسكندرية، كما يجلس القاضي في جريمة يحمل أهلها بين يديه آثامهم وأعمالهم، ويحمل هو عقله وحكمه.
وقد ذهبت لأرى كيف يتساخف أهل هذه الصناعة؛ فكان حكمي أن السخافة عندنا سخيفة جدًا ...
رأيتهم هناك ينقدون العيوب بما ينشئ عيوبا جديدة، ويسبحون بأيديهم سباحة ماهرة؛ ولكن على الأرض لا في البحر، وتكاد نظرتهم إلى الحقيقة الهزلية تكون عمى ظاهرا عما هي به حقيقة هزلية؛ ولا غاية لهم من هذا التمثيل إلا الرقاعة والإسفاف والخلط والهذيان، إذا كان هذا هو الأشبه بجمهورهم الذي يحضرهم، وكان هو الأقرب إلى تلك الطباع العامية البليدة التي اعتادت من تكلف الهزل ما جعلها هي في ذات نفسها هزلا يسخر منه.
ولا أسخف من تكلف النكتة الباردة قد خلت من المعنى، إلا تكلف الضحك المصنوع يأتي في عقبها كالبرهان على أن في هذه النكتة معنى.
فالفن المضحك عند هؤلاء، إنما هو السخف الذي يوافقون به الروح العامية الضئيلة الكاذبة المكذوب عليها، التي يبلغ من بلاهتها أحيانا أن تضحك للنكتة قبل إلقائها، لفرط خفتها ورعونتها، وطول ما تكلفت واعتادت، فما ذلك الفن إلا ما ترى من التخليط في الألفاظ، والتضريب بين المعاني، وإيقاع الغلط في المعقولات، ثم لا ثم بعد هذا، فلا دقة في التأليف، ولا عمق في الفكرة، ولا سياسة في جمع النقائض، ولا نفاذ في أسرار النفس، ولا جد يؤخذ من هزلية الحياة، ولا عظمة تستخرج من صغائرها، ولا فلسفة تعرف من حماقاتها.
والفرق بعيد بين ضحك هو صناعة ذهن لتحريك النفس، وشحذ الطبع، وتصوير الحقيقة صورة أخرى، وبين ضحك هو صناعة البلاهة للهو والعبث، والمجانة لا غير.