وانتقلت العدوى إلى الباقين، فأخرج أحدهم منديله يتمخط فيه، وظهرت في يد الثالث سبحة طويلة, وأخرج الرابع سواكا فمر به على أسنانه، وجر الخامس كراسة كانت في قبائه، ومد صاحب اللحية العريضة أصابعه إلى لحيته يخللها؛ أما السابع صاحب "اللالحية"، فثبتت يده في جيبه ولم تخرج، كأن فيها شيئا يستحيي إذا هو أظهره، أو يخشى إذا هو أظهره من تخجيل الجماعة.
وسكت الشاب، وسكت الشيوخ، وسكت الصندوق أيضًا ...
قال الراوي: ونظرت فإذا وجوههم قد لبست للشاب هيئة المدرس الذي يقرر لتلميذه قاعدة قررها من قبل ألف مرة لألف تلميذ، فخجل الشاب وحمل صندوقه ومضى ...
أقول أنا: فلما انتهى الراوي من "قصة الأيدي المتوضئة"، قلت له: لعلك أيها الراوي استيقظت من الحلم قبل أن يملأ الشيوخ الأجلاء هذا الصندوق، وما ختم عقلك هذه الرواية بهذا الفصل إلا بما كددت فيه ذهنك من فلسفة تحول السيف إلى خشبة، ولو قد امتد بك النوم لسمعت أحدهم يقول لسائرهم: بمن ينهض إخواننا المجاهدون وبمن يصولون؟ لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"جاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل". ثم يملئون الصندوق ...