الأصل، يبحثون في سنن النبي صلى الله عليه وسلم: كيف كان يأكل ويشرب ويلبس ويمشي ويتحدث؛ كأنهم من الدنيا في قانون المائدة، وآداب الولائم، ورسوم المجتمعات؛ أما تلك الحقيقة الكبرى، وهي كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل ويحارب لهداية الخلق، وكيف كان يسمو على الدنيا وشهواتها؟ وكيف كان بطباعه القوية الصريحة تعديلا فعالا في هذه الإنسانية للنواميس الجائزة؟ وكيف كان يحمل الفقر ليكسر به شرة النواميس الاقتصادية التي تقضي بجعل الأخلاق أثرا من آثار السعة والضيق، فتخرج من الغني متعففا ومن الفقير لصا؟ وكيف استطاع صلى الله عليه وسلم بفقره السامي أن يحول معنى الغنى في نفوس أصحابه، فيجعله ما استغنى عنه الإنسان من شهوات الدنيا وترك، لا ما نال منها وجمع؟ أما هذا ونحوه من حقائق النبوة العاملة في تنظيم الحياة، فقد أهملوه، إذ هو لا يوجد في الكتب وشروحها وحواشيها، ولكن في الحياة وأثقالها وأكدارها؛ وبذلك أصبح شيوخنا من الأمة في مواضع لم يضعهم فيها الدين ولكن وضعتهم فيها الوظيفة.
ألا ليتهم يكتبون على أبواب الأزهر هذه الحكمة: سئل بعض العرب: بم ساد فلان فيكم؟ قالوا: احتجنا إلى عمله واستغنى عن دنيانا ...