الشعب هذه الامتيازات من فكره وروحه وأعصابه، وثارت فيه كبرياء الوطنية فاستنكف من الاستحذاء، ونفر من الاختضاع، وأبي إلا أن يعلن كرامته، وصرف اهتمامه إلى حقوق هذه الكرامة، وأصر ألا يعامل أجنبيا يرى لنفسه امتيازًا على وطني، وقرر ذلك في نفسه، ومكنه في روعه، وأجمع عليه إجماعه على الدين, إذا جاءت "إذا" هذه بشرطها من الشعب، جاء جواب الشرط من الأجانب بنزولهم عن الامتيازات وانحلت المشكلة. إننا يا بني لا نملك ضغط السياسة، ولكنا نملك ما هو أقوى؛ نملك ضغط الحياة.
لهم الامتياز بأنهم أجانب عنا، فليكن لنا الامتياز الآخر بأننا أجانب عنهم في المعاملة، مثلا بمثل، وما يفل الحديد إلا الحديد.
يقولون: النظام الاقتصادي والمال الأجنبي. ولكن أرأيت المال في يد الأجنبي إلا مالًا وتدبيرًا وسلطة وسيادة، من أنه في يد الوطني دين وإسراف ورق وذل؟
لم يظهر لي إلا الساعة إن من حكمة تحريم الربا في شريعتنا الإسلامية، وقاية الأمة كلها في ثروتها وضياعها ومستغلاتها، وحماية الشعب وملوكه من الإسراف والتخرق والكرم الكاذب، ورد الاستعمال الاقتصادي، وشل النفوذ الأجنبي.
أما لو أننا كتبنا من الأول على أبواب "البنك العقاري" وأبواب ذريته: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا}[البقرة: ٢٧٦] فهل كانت تقرأ هذه الكلمات الثلاث على أبواب تلك البنوك الأجنبية إلا هكذا: "محال خالية للإيجار"؟