لعلك تشير إلى هذه الرعونة التي تعرفها في الأغمار والأغفال من العامة، فهذه ليست من أثر الدين، بل هي أثر الجهل بالدين؛ إن هذا ليس تعصبا، بل هو معنى من معاني الحمية النفسية الخرقاء لم تجدوا أنتم له لفظًا، وكان أقرب الألفاظ إليه عندكم هو التعصب، فأطلقتموه عليه للمعنى الذي في نفسه والمعنى الذي في أنفسكم. ألا فاعلم أن إسلام العامة اليوم هو كالدعوى المقبولة شكلا والمرفوضة بعد ذلك.
قال الإنجليزي: ولكن لهؤلاء العامة علماء دينيين يدبرونهم من ورائهم. وهم عندكم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم أي منبع الفكرة وقوتها.
قال الباشا: غير أن هؤلاء قد أصبحوا كلهم أو أكثرهم لا يندس فيهم عرق من تلك الوراثة، وذلك هو الذي بلغ بنا ما ترى؛ فالقوم إلا قليلا منهم كالأسلاك الكهربائية العطلة؛ لا فيها سلب ولا إيجاب؛ ولو أن هؤلاء العلماء كانت فيهم كهرباء النبوة؛ لكهربوا الأمم الإسلامية في أقطارها المختلفة. إذن لقام في وجه الاستعمار الأوروبي أربعمائة مليون مسلم جلد صارم شديد، متظاهرين متعاونين، قد أعدوا كل ما استطاعوا من قوة العلم، وقوة النفس، وهم لو قذف كل منهم بحجرين لردموا البحر.
أتريد معنى التعصب في الإسلام؟ إنه بعينه كتعصب كل إنجليزي للأسطول؛ فهو تشابك المسلمين في أرجاء الأرض قاطبة، وأخذهم بأسباب القوة إلى آخر الاستطاعة، لدفع ظلم القوة بآخر ما في الاستطاعة.
وهو بذلك يعمل عملين: استكمال الوجود الإسلامي، والدفاع عن كماله.
وإذا أنت ترجمت هذا إلى معناه السياسي، كان معناه إصرار جميع المسلمين على نوع الحياة وكرامتها، لا على استمرار الحياة ووجودها فقط. وذلك هو مبدؤكم أنتم أيها الإنجليز, لا تقبلون إلا حياة السيادة والحكم والحرية، فأنتم مسلمون في هذا المبدأ لو عدلتم.
أليس من البلاء أن المسلمين اليوم لا يدرس بعضهم بلاد بعض إلا على الخريطة ... ومع أن الحج لم يشرع في دينهم إلا لتعويدهم دراسة الأرض في الأرض نفسها لا في الورق، ثم ليكون من مبادئهم العملية أن العالم مفتوح لا مقفل؟
إن التعصب في حقيقته هو إعلان الأمة أنها في طاعة الشريعة الكاملة، وأن