وصفه من حيث هو رقيع، على وصفه من حيث هو عالم أو أديب أو ما شاء. إن هذا لمقت {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا}[غافر: ٣٥] .
ومن أثر تلك الفئات الثلاث نشأت فئة رابعة، تحول فيهم ذلك الخلط من الكلام إلى طريقة نفسية في النفس؛ فهم يقحمون في كتابتهم وحديثهم الكلمات الأجنبية، ويحسبون عملهم هذا تظرفا ومعابثة ومجونا، على أنه هو الذي يظهر لعين البصير مواضع القطع التاريخي في نفوسهم، وأماكن الفساد القومي في طبيعتهم، وجهات التحلل الديني في اعتقادهم، وهؤلاء يكتب أحدهم:"النرفزة" وهو قادر أن يقول الغضب, "والفلير" وهو مستطيع أن يجعل في مكانها المغازلة، "وسكالنس" وهو يعرف لفظة أنواع وألوان، وهكذا وهكذا؛ ولا -والله- أن تكون المسافة بين اللفظين إلا المسافة بعينها بين قلوبهم ورشد قلوبهم.
وما برح التقليد السخيف لا يعرف له بابا يلج منه إلى السخفاء إلا باب التهاون والتسامح؛ ونحن قوم ابتلينا بتزوير العيوب على أنفسنا وعدها في المحاسن والفضائل، من قلة ما فينا من الفضائل والمحاسن، وبهذه الطبيعة المعكوسة نحاول أن نقتبس من مزايا الأوروبيين، فلا نأخذ أكثر ما نأخذ إلا عيوبهم، إذ كانت هي الأسهل علينا، وهي الأشكل بطبعنا الضعيف المتسامح المتهاون.
ومن هذا تجد مشاكلنا الاجتماعية -على أنها أهون وأيسر من مشاكل الأوروبيين، وعلى أن في ديننا وآدابنا لكل مشكلة حلها- تجدها هي علينا أصعب وأشد، لأننا ضعفاء ومتخاذلون ومقلدون ومفتونون، وكل ذلك من شيء واحد, وهو أن أكثر كبرائنا هم أكبر بلائنا.
قال صاحب السر: ثم ضحك الباشا ضحكته الساخرة وقال: كيف تصنع أمة يكون أكثر العاملين هم أكبر العاطلين، إذ يعملون ولكن بروح غير عاملة.