للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه بدعة تنحط عندنا درجة عن الأصل، فكأنها بدعتان١. ثم ضحك الباشا وقال: كان في القديم رجل سمع أن البصل بالخل نافع للصفراء، فذهب إلى بستان يملكه وقال لوكيله: ازرع لي بصلا بخل ... هكذا يريدون من القبعات؛ أن تخرج لهم تركا بأوروبيين.

ليست هذه القبعة في تركيا هي القبعة، بل هي كلمة سب للعرب ورد على الإسلام، ضاقت بها كل الأساليب أن تظهرها واضحة بينة، فلم يف بها إلا هذا الأسلوب وحده. وهي إعلان سياسي بالمناوأة والمخالفة والانحراف عنا واطراحنا. فإن الذي يخرج من أمته لا يخرج منها وهو في ثيابها وشعارها؛ فبهذا انفتح لهم باب الخروج في القبعة ودون غيرها مما يجري فيه التقليد أو يبدعه الابتكار؛ وإلا فأي سر في هذه القبعات، ومتى كانت الأمم تقاس بمقاييس الخياطين؟

ههنا سيف أراد أن يكون مقصا فعمل أولا ما يعمل الحسام البتار، فأجاد وأبدع وأكبره الناس وأعظموه؛ ثم صنع ما يصنع المقص، فماذا عساه يأتي به إلا ما ينكره الأبطال والخياطون جميعًا؟

أكتب علينا أن نظل دهرنا نبحث في التقليد الأعمى، وألا يحيا الشرقي إلا مستعبدا ينتظر في كل أموره من يقول له: اشرع لي؟ إن بحثنا فلنبحث في زي جديد نتميز به، فتكون القوى الكامنة فينا وفي طبيعة أرضنا وجونا هي التي اخترعت لظاهرها ما يجعله ظاهرها. كما يخرج زور الأسد لبدة الأسد. غاية في المنفعة والجمال والملائمة.

أنا ألبس ما شئت، ولكني عند القبعة أجد حدا تقف إليه ذاتيتي الفردية، فلا أرى ثمة موضع انفراد ولكن موضع مشاكلة، ولا أعرف صفة منفعة لي بل صفة حقيقة مني، ويعترضني من هناك المعنى الذي يصير به النوع إلى الجنس. والواحد إلى الجماعة وما دمت مسلما أصلي وأركع وأسجد، فالقبعة نفسها تقول لي: دعني فلست لك.

وهؤلاء الرجال الذين لبسوها في مصر، إنما اشتقوها من المصدر نفس المصدر الذي يخرج منه التهتك في النساء، وكلاهما منزع من المخالفة، وكلاهما


١ الأصل تقليد تركيا لأوروبا، وهذه بدعة؛ فتقليدنا لتركيا بدعة أسخف من الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>