ضد من صفة اجتماعية تقوم بها فضيلة شرقية عامة. وليس يعدم قائل وجها من القول في تزيين القبعة، ولا مذهبا من الرأي في الاحتجاج لها، غير أن المذاهب الفلسفية لا يعجزها أن تقيم لك البرهان جدلا محضا على أن حياء المرأة وعفتها إن هما إلا رذيلتان في الفن ... وإن هما إلا مرض وضعف، وإن هما إلا كيت وكيت، ثم تنتهي الفلسفة إلى عدهما من البلاهة والغفلة، وما الغفلة والبلاهة إلا أن تريد فلسفة من فلسفات الدنيا أن تقحم في كتاب الصلاة مثلا فصلا في ... في ... في الدعارة.
لا يهولنك ما أقرر لك: من أن القبعة الأوروبية على رأس المسلم المصري، تهتك أخلاقي أو سياسي أو ديني أو من هذه كلها معا، فإنك لتعلم أن الذين لبسوها لم يلبسوها إلا منذ قريب، بعد أن تهتكت الأخلاق الشرقية الكريمة وتحلل أكثر عقدها، وبعد أن قاربت الحرية العصرية بين النقائض حتى كادت تختلط الحدود اللغوية، فحرية المنفعة مثلا تجعل الصادق والكاذب بمعنى واحد، فلا يقال: إلا أنه وجد منفعته فصدق، ووجد منفعته فكذب؛ وعند الحرية العصرية أنه ما فرق بين اللفظين وجعل لكل منهما حدودًا إلا جهل القدماء، وفضيلة القدماء، ودين القدماء. وهذه الثلاثة: الجهل والفضيلة والدين، هي أيضا في المعجم اللغوي الفلسفي الجديد مترادفات لمعنى واحد، هو الاستعباد أو الوهم أو الخرافة.
ومتى أزيلت الحدود بين المعاني، كان طبيعيا أن يلتبس شيء بشيء وأن يحل معنى في موضع معنى غيره، وأصبح الباطل باطلا بسبب وحقا بسبب آخر، فلا يحكم الناس إلا مجموعة من الأخلاق المتنافرة، تجعل كل حقيقة في الأرض شبهة مزورة عند من لا تكون من أهوائه ونزعاته، فيحتاج الناس بالضرورة إلى قوة تفصل بينهم فصلا مسلحا، فيكسبون القانون بمدنيتهم قوة همجية تضطره أن يعد للوحشية الإنسانية، وتدفع هذه الوحشية أن تعد له.
ومن اختلاط الحدود تجيء القبعة على رأس المسلم، وما هي إلا حد يطمس حدا، وفكرة تهزم فكرة، ورذيلة تقول لفضيلة: ها أنذا قد جئت فاذهبي.
ما هو الأكبر من شيئين بينهما لتعيين الصغر؛ وما هو الأصغر من شيئين لا حد بينهما لتعيين الكبر؟ إنها الفوضى كما ترى ما دام الحد لا موضع له في التمييز ولا مقر له في العرف ولا فصل به في العادة؛ ومن هنا كان الدين عند أقوام أكبر كلمات الإنسانية في عامة لغاتها وأملأها بالمعنى، وكان عند آخرين