وخشيت أن يكون "نابغة القرن العشرين" لم يسمني أستاذه إلا بحساب من هذا الحساب، فهو سيعطي الأستاذية حقها، ولكن كما هو حقها في لغة جنونه ... فأصبح في رأيه تلميذه وصنيعته، ومحدث هذيانه، وثقته وملجأه، والمحامي من ورائه.
قلت في نفسي: إذا أنا تركته جالسا كان هذا المجلس مثابته من بعد، فلا يعرف له محلا غيره، ويصبح كما يقال في تعبير القانون "محله المختار"، فيتطرأ إلي لسبب ولغير سبب، ويقع في أوقاتي وقوع السهو لا حساب عليه، ويضيع فيه ما يضيع، فأجمعت أن أصرفه راضيا باليأس، وقد انتهت نفسه من معرفتي، وانتهى عقله إلى الرأي أني لا أصلح له أستاذا، لا بحسابه هو ولا بحساب الناس.
فقلت له: ظني بك أنك أستاذ نفسك، ولا يحسن بنابغة القرن العشرين أن يكون له في القرن العشرين أستاذا؛ وأراك قد فرغت للأدب، أما أنا فمشغول بأعمال وظيفتي، وقد جاء من العمل ما تراه، وتكاد لا تفي به الساعات الباقية من الوقت و ...
فقطع علي وقال: إن الوقت ليس في الساعة؛ والدليل أني أعطلها فيتعطل الوقت، ولا يكون فيها يوم ولا ساعة ولا ثانية ولا دقيقة.
فقلت: ولكنك إذا عطلتها لم تتعطل الشمس التي تعين منازل النهار، فسيمر الظهر ويحين العصر و ...
قال: ويأتي غد، وإنما أنا معك اليوم فقط ... ويجب أن تغتبط بأنك أستاذ "نابغة القرن العشرين"، فقد قرأت الكثير في الأدب وقرأتك، فما كان لي رأي إلا رأيته لك ... ولا صحت عندي نظرية إلا رأيتك قد أبديتها، وأنا لا أعتقد أدبا في مصر إلا ما توافينا عليه معا "ولا أسلم جدلا، ولا جدلا أسلم أن في مصر أدباء ينالون مني شيئا, فهو أنا وأنا هو"١, ولئن لم يذعنوا "لنابغة القرن العشرين" فليعلمن أنهم "وقعوا مني موقع نملة على صخرة ... هذا من جهة، ومن جهة أريد سجائر وليس معي ثمنها".
فتهللت واستبشرت، وقلت له: هذا قرش فهلم فاشتر به دخائنك، وفي رعاية الله، ثم استويت للقيام، ولكنه لم يقم؛ بل تمكن في مجلسه ...
١ ما بين القوسين هو كلامه بنصه كما نبهنا إلى ذلك، والباقي ترجمناه نحن عن معانيه، وأكثر ما يأتي فهذه سبيله.