ثم أمر ا. ش. أن يقرأ عليه الشعر فقرأه، فقال: أحسنت، انظر إلى فوق. فنظر، ثم قال: انظر إلى تحت. فنظر ثم سكت.
قال ا. ش: وبعد؟ قال: وبعد فإن الناس ينظرون إما إلى فوق وإما إلى تحت ...
وكان الضجر قد نال مني، فرجوت ا. ش. أن يلبث معهما وأذنت لنابغة القرن العشرين أن يلقاني في الندي وانصرفت ...
قال ا. ش وهو ينبئني: فما غبت عنا حتى أخذ المجنون يشكو ويتوجع ويقول: لقد حاق بي الظلم، وإن "الرافعي" رجل عسوف ظالم، لأني أكتب له كل مقالاته التي ينشرها في "الرسالة" ... وأجمع نفسي لها، وأجهد في بيانها، وأذيب عقلي فيها، وهو مستريح وادع، وليس إلا أن ينتحلها ويضع توقيعه عليها، ويبعث بها إلى المجلة، ثم هو يقبض فيها الذهب وينال الشهرة، ولا يدفع لي عن كل مقالة إلا قرشين١ ...
قال ا. ش: فما يمنعك أن ترسل أنت هذه المقالات إلى المجلة فتقبض فيها الذهب؟ قال: إن هناك أسرارًا أنا محصنها وكاتمها، ولا ينبغي أن يعلمها أحد فإنها أسرار ... قال له: فدع "الرافعي" واكتب لي أنا هذه المقالات، وأنا أعطيك في كل مقالة ذهبين لا قرشين.
قال: هذه أسرار ولا أستطيع أن أكتب إلا للرافعي، لأن "نابغة القرن العشرين" لا يجوز أن يدعي كلامه إلا أستاذ نابغة القرن العشرين، ولو ادعاه غيره لكان هذا حطا من قدر نابغة القرن العشرين، وهذا بعض الأسرار لا كل الأسرار.
قلت: ثم جاء المجنونان في العشية إلى الندي.
١ لا يزال هذا المسكين منذ تسعة أشهر يدعي أنه هو الذي يكتب لنا هذه المقالات، غير أنه رفع القيمة أخيرًا؛ فجعلها عشرين قرشًا ...