للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمشي مع دابته ذاهبا وراجعا في شدة الحر أيام الحر، وفي البرد أيام البرد، فإذا أمسى توضأ وقال: اللهم اجعل لنا من هذا الهم فرجا ومخرجا، فكان كذلك إلى أن مات!

قال المجنون الآخر: "مما حفظناه": ثمرة الدنيا السرور، ولا سرور للعقلاء، فلو لم يكن هذا أعقل العقلاء لما محق سروره في الدنيا هذا المحق إلى أن مات غما، رحمه الله!

قال: س. ع: فاعف الآن عن صاحبك ولا تذبحه بالهجاء.

قال: لقد ذكرتني من نسيان، وهذا المجنون يرى نسياني من مرض عقلي، وكان الوجه -لو تهدى إلى الحقيقة- أن يراه شذوذا في العقل، أي نبوغا عظيما كنبوغ ذلك الفيلسوف الذي أراد أن يتثبت في كم من الزمن تسلق البيضة؛ فأخذ بيده الساعة وبيده الأخرى بيضة، ثم نسي نسيان النبوغ، فألقى الساعة في الماء على النار، وثبتت عينه على البيضة ينظر فيها على أنها هي الساعة. ولو قد رآه هذا الأبله لزعمه مجنونا كما يزعمني، فإن المجانين يرون العقلاء مرضى بمواهبهم وأعمالهم التي يعملونها.

وأنا فليس تهيجني شيء ما تهيجني كلمات ثلاث: أن يقال لي: مجنون، أو أبله، أو أحمق. فمن رغب في صحبتي فليتجنب هذه الثلاث كما يتجنب الكفر والكفر والكفر ...

قال ا. ش: فإذا قيل لك مثلا. مثلا. أي على التمثيل: مغفل.

فحك رأسه قليلا وقال: لا، هذه ليست من قدري١.

قلت: فبعض الكلمات إذا قطعت عندك غيرت الحقائق، كذلك القرن الذي قطع فرد البقرة فرسا؟

قال: وكيف كان ذلك؟

قلت: زعموا أن أعرابيا خرج إخوته يشترون خيلا، فخرج معهم فجاء بعجل يقوده؛ فقيل له: ما هذا؟ قال: فرس اشتريته. قالوا: يا مائق هذه بقرة، أما ترى قرنيها؟


١ نص عبارته: "دي مش أدى".

<<  <  ج: ص:  >  >>