للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلمس باليد الطاهرة ... وتالله إن الشيطان لا معنى له إلا أنه وقاحة الأعصاب.

قال "م": فأنت أيها العجوز الصالح إنما أصبحت بلا شيطان؛ لأن الهرم قد أدب أعصابك ...

قال العجوز الظريف: وعند من غيرنا -نحن الشيوخ- تطاع الأوامر والنواهي الأدبية حق طاعتها؟ عند من غير الشيوخ تقدس مثل هذه الحكم العالية: لا تعتد على أحد ... لا تفسد امرأة على زوجها ...

قال المحدث: وضحكنا جميعًا، وكان العجوز "ن" من الآيات في الظرف والنكتة، فقال: تظنني يا بني في السبعين؟ فوالله ما أنا بجملتي في السبعين، والله والله.

قال "م": لقد أُهتر الشيخ* يا بني؛ فإن هذا من خرفه فلا تصدقه.

قال "ن": والله ما خرقت وما قلت إلا حقًا، فههنا ما عمره خمس سنوات فقط، وهو أسناني..

قلت: "ورينا وريت" وسنة ١٨٩٥؟

قال الأستاذ "م": أنت يا بني من المجددين، فما هواك في القديم وما شأنك به؟

وما كاد العجوز "ن" يسمع هذا حتى طرف بعينيه** وحدد بصره إلي وقال: أئنك لأنت هو؟ لعمري إن في عينيك لضجيجًا وكذبًا وجدالًا واختيالًا وزعمًا ودعوى وكفرًا وإلحادًا؛ ولعمري ...

فقطعت عليه وقلت: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون"، لقد وقع التجديد في كل شيء إلا في الشيوخ أجسامًا والشيوخ عقولًا؛ فهؤلاء وهؤلاء عند النهاية، وغير مستنكر من ضعفهم أن يدينوا بالماضي، فإن حياتهم لا تلمس الحاضر إلا بضعف!

قال العجوز: رحم الله الشيخ "ع"؛ كان هذا يا بني رجلًا ينسخ للعلماء في زمننا القديم، وكان يأخذ عشرة قروش أجرًا على الكراسة الواحدة، وهو رديء الخط، فإذا ورق لأديب، ولم يعجبه خطه فكلمه في ذلك تعلق الشيخ به وطالبه بعشرين قرشًا عن الكراسة؛ منها عشرة للكتابة، وعشرة غرامة لإهانة الكتابة ...


* أي أخطأ في الرأي من تأثير الكبر.
** أي حرك أجفانهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>