من غلظته وخشونة طبيعة ما يسهل لك أن تعلمها قيمة ظرفك ورقتك، وستجد من سوء معاملته وقبح تسلطه ما يفتح قلبها لمن يأتيها قبل الرفق واللين، وستصب عنده من ضيق المعيشة وقلتها ويبسها ما يفهمها معنى ذلك العيش الحلو الخضر الذي تعرضه عليها؛ ثم إنه لا بد مبتليها بغيرته العمياء بعد ما عرف من حبك إياها، والغيرة منك هي توجدك بينهما دائمًا وتنبه المرأة إليك كلما كرهت من رجلها شيئًا لا ترضاه.
ولم تكن إلا مدة يسيرة حتى أهديت المرأة إلى زوجها، وإنما تعجل الزفاف ليأتي أنه أن ينصب يده القوية حجابًا بينهما وبين هذا المفتون، وليكتسب من القانون حقًّا لم يكن له من قبل إذا هو مد هذه اليد وعصر في قبضتها تلك الرقبة التي تتطلع إلى امرأته؛ ورأى الشاب أن هذه الحال لا تعتدل به وبخصمه معًا، وكانت الغيرة تأكل من قلبه أكلًا، وكان يعرض للمرأة كلما خرجت بمكتلها* إلى السوق أو بجرتها إلى الماء؛ لأنه حينئذ يكون في الطريق الذي لا يملكه أحد.. فكانت إذا رأته لم تزد على ما يكون منها إذا هي أبصرت حمارًا يمد عينه إليها!. فعمد إلى امرأة مقينة تزف العرائس، وهي التي زفت "خضراء" فأكرمها وأتحفها وسألها أن تسعفه ببعض ما تحتال به، وأن يكون سبيله إلى المرأة؛ وتحمل عليها "بإبليسه" حتى استوثق منها، فكانت تتحدث عنه أمام "خضراء"؛ تستجر بذلك أن تلفتها إلى نعمته وجماله، ولكن المرأة أغلظت لها وسبتها وحذرتها أن تعود إلى مثل كلامها، وقالت لها آخر ما قالت: واعلمي أنني لو دفعت إلى طريقين وكان لا بد من أحدهما، ثم كان أحدهما حصاه الدنانير وهو طريق العار، والآخر حصباؤه الجمر ويفضي إلى الشرف، إذن لتنزهت أن أدنس نعلي بالذهب ولنثرت لحم قدمي على الجمر نثرًا.
والحب لا يبقى حبًّا أبدًا، فإما فاز فبرد ورجع سلوًا، وإما خاب فاضطرم وتحول إلى حقد ونقمة؛ وكذلك انفجر الشاب غيظًا، ووجد على الخيبة موجدة شديدة، وأخذ يدير رأيه، ففتقت له الحيلة أن يقتل الشهم بشهامته، والمرأة العفيفة بعفتها؛ فواطأ إبليسه على أن يدفع إلى تلك المقيَّنة منديلًا من الحرير عقد طرفه على دينار من الذهب، تلقيه في صندوق "خضراء" وتدسه في طي من أطواء ثيابها فذهبت المرأة، وما زالت بخضراء تستصلحها وتعتذر إليها حتى استلت ضغينة قلبها، ثم سألتها أن تأتيها "بالعيش والملح" لتصيب كلتاهما منه وتتحرم بحرمته؛ فلما نهضت تأتيها أسرعت الخبيثة إلى الصندوق فدست المنديل في أبعد