الدخينة نفسًا في نفس، وعاد هذا الدخان المتطاير كأنه سحاب يسبح فيه الوحي بين حدود الدنيا وحدود الآخرة؛ قال المسكين: لم أتعلم، ولو تعلمت ما وقفت هنا؛ ولكن ربما كنت خرجت نذلًا كبعض المتعلمين الذين يعيشون أشرافًا وفيهم أرواح القتلة واللصوص!
لم أقر لأحد بجريمتي خشية أن تذكر كلمة العار مع اسمي، وآثرت أن أموت بالشنق على أن أحيا ويموت اسمي بالعار!
ولكني سأعترف الآن أمامكم وأنتم الساعة على قبري، فكونوا كالملائكة لا يشهدون بما عرفوا إلا عند الله وحده.
أعترف أني قتلت زوجتي وأمها؛ وقد تقولون: إنه ليس من عمل الرجل أن يقتل امرأة فضلًا عن اثنتين؛ إنني رجل سأشنق، أما النساء فلا يشنقن وإنما يرسلن الرجال إلى المشنقة.. لم أر أبي؛ إذ تركني طفلًا، ولكن يقال: إنه كان رجلًا، فأنا رجل وابن رجل، ولم يذلني رجل قط، ولكن لو خلق الله قوة مائة جبار في جسم رجل واحد لأذلته امرأة!
إنه ليس من شيمة الرجل أن يقتل النساء، ولكن المرأة تذل الرجل ذلًا يهون عليه قتل نفسه، فكيف لا يهون عليه قتلها؟
علموا المتعلمين ليصيروا في الشرف والأمانة والعفة كرجل جاهل مثلي: لا يرى للحياة كلها قيمة إذا كان فيها معنى العار، ويقدم عنقه للمشنقة حتى لا ينكس رأسه للذل.
أصلحوا القانون الذي يحكم بالموت شنقًا ويزهق الأرواح الكبيرة في حين تغلبه الأرواح الصغيرة بحيلها الدنيئة!
ومع ذلك سألقى الله وهو يعلم سريرتي إن كنت بريئًا أو مجرمًا!
قيم السجن: ستلقاه طاهرًا.
السجين: أرأيتم مني خلق سوء؟ أتعتقد علي ذنبًا مدة سجني؟
القيم: كلنا راضون عنك.
السجين: هذا مثل من أخلاقي، والحمد لله على أن آخر كلمة أسمعها من إنسان على الأرض- كلمة الرضا.