أعلى وأسفل؛ ثم ألقت على شعرها الذهبي قلنسوة حمراء من ذلك الحرير أمالتها جانبًا فحبست شيئًا منه وأظهرت سائره، وأخذت بيديها صفاقتين* وأقبل الثلاث يرقصن ويغنين نشيد الفلاحة.
لم أنظر إلى غيرها، فقد كانت صاحبتاها دليلين على جمالها لا أكثر ولا أقل، وما أحسب الحرير الأحمر، كان معها أحمر ولا الأسود كان عليها أسود، ولا لون الذهب في معصمها كان لون الذهب؛ كلا كلا، هذه ألوان فوق الطبيعة؛ لأن الوجه يشرق عليها بالجمال والحياة، وذلك الجسم يفيض لها بالخفة والطرب وتلك الروح تبعث فيها المرح والنشوة؛ هذا مزيج من خمر الألوان لا من الألوان نفسها.
وقال مجنوننا: إن أجمل الجمال في المرأة الفاتنة هو ذاك الذي يجعل لكل إنسان نوع شعوره بها، وأنا أشعر الساعة أن قلبي نصف قلب فقط، وأن نصفه الآخر في هذه وحدها؛ فما شعورك أنت؟
قلت: يا صديقي. إن الله رحيم، ومن رحمته أنه أخفى القلب وأخفى بواعثه ليظل كل إنسان مخبوءًا عن كل إنسان؛ فدعني مخبوءًا عنك!
قال: لا بد!
قلت: إن المصباح في الموضع النجس لا يبعث النور نجسًا، وما أشعر إلا أن النور الذي في قلبي قد امتزج بالنور الذي في عينيها.
ثم كأنها أحست بأن إنسانًا قد امتلأ بها، فأدارت وجهها وهي ترقص، فتلمحت صاحبنا، وجعلت تقطع الطرف بينها وبينه كأنها تعرفه وتجهله، ثم تبينت إلحاح نظره فضحكت؛ لأنها تعرفه ولا تجهله!
أما هو، أما المجنون، أما صاحب القلب المسكين!....
* الصفاقات: هي التي يقال لها الساجات، تكون في أصابع الراقصة، والكلمة واردة في كتاب الأغاني.