للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والأخريان؟

قال: كلا كلا، هذا فن آخر، فالواحدة من هؤلاء المسكينات إنما ترقص بمعدتها.. ترقص للخبز لا غير؛ أما "تلك" فرقصها الطرب مصنوعًا على جسمها ومصنوعًا من جسمها؛ إنها كالطاووس يتبختر في أصباغه. في ريشه، في خيلائه، بخترة يضاعفها الحسن ثلاث مرات؛ ولو خلق الله جسمين أحدهما من الجواهر أحمرها وأخضرها وأصفرها وأزرقها، والآخر من الأزهار في ألوانها ووشيها، ثم اختال الطاووس بينهما ناشرًا ذيله في كبرياء روحه الملوثة لظهر فيه وحده اللون الملك بين ألوان هي رعيته الخاضعة.

وانتهى رقص الحسناء الفاتنة وغابت وراء الستارة بعد أن أرسلت قبلة في الهواء.. فقال صاحبنا: آه! لو أن هذه الحسناء تصدقت بدرهم على فقير، لجعلته لمسة يدها درهمًا وقبلة..

قلت: يا عدو نفسه! هذه قبلة محررة مسددة وقد رأيتها وقعت هنا.. ولكنك دائمًا في خصام بين نفسك وبين حقائق الحياة؛ تعشق القبلة وتخاصم الفم الذي يلقيها، وتبني العش وتتركه فارغًا من طيره؛ إن امرأة تحبك لابد منتهية إلى الجنون ما دامت معك في غير المفهوم وغير المعقول وغير الممكن.

ثم بدأ فصل آخر على المسرح، وظهر رجال ونساء وقصة؛ وكان من هؤلاء الرجال شيخ يمثل فقيهًا، وآخر يمثل شرطيًا؛ فقال صاحبنا الفيلسوف: لقد جاءت هذه الثياب فارغة وكأنها الآن تنطق أن صحة أكثر الأشياء في هذه الحياة صحة الظاهر فقط، ما دام الظاهر يخلع ويلبس بهذه السهولة؛ فكم ي هذه الدنيا من شرفاء لو حققت أمرهم وبلوت الباطن منهم- إنما يشرفون الرذائل لأنهم يرتكبونها بشرف ظاهر.. وكم من أغنياء ليس بينهم وبين اللصوص إلا أنهم يسرقون بقانون.. وكم من فقهاء ليس بينهم وبين الفجرة إلا أنهم يفجرون بمنطق وحجة.. ليست الإنسانية بهذه السهولة التي يظنها من يظن، وإلا ففيم كان تعب الأنبياء وشقاء الحكماء وجهاد أهل النفوس؟

العقدة السماوية في هذه الأرض أن الله -سبحانه وتعالى- لم يخلق الإنسان إلا حيوانًا ملطفًا تلطيفًا إنسانيًا، ثم أراه الخير والشر وقال له: اجعل نفسك بنفسك إنسانًا وجئني.

<<  <  ج: ص:  >  >>