ومن ثم لا عصمة على المحب إلا إذا وجد بين إيمانين، أقواهما الإيمان بالحلال والحرام؛ وبين خوفين، أشدهما الخوف من الله؛ وبين رغبتين، أعظمهما الرغبة في السمو.
فإن لم يكن العاشق ذا دين وفضيلة فلا عصمة على الحب إلا أن يكون أقوى الإيمانين الحرص على مكانة المحبوب في الناس، وأشد الخوفين الخوف من القانون ... وأعظم الرغبتين الرغبة في نتيجة مشروعة كالزواج.
فإن لم يكن شيء من هذا أو ذاك فقلما تجد الحب إلا وهو في جراءة كفرين، وحماقة جنونين، وانحطاط سفالتين؛ وبهذا لا يكون في الإنسان إلا دون ما هو في بهيمتين!
ثم جاء الفصل الثالث وظهرت هي على المسرح، ظهرت هذه المرة في ثوب مركزة أوروبية تخاصر عشيقًا لها، فيرقصان في أدب أوروبي متمدن ... متمدن بنصف وقاحة؛ متأدب ... متأدب بنصف تسفل؛ مشروع ... مشروع بنصف كفر؛ هو على النصف في كل شيء، حتى ليجعل العذراء نصف عذراء والزوجة نصف زوجة..!
وكان الذي يمثل دور العشيق فتاة أخرى غلامية مجممة الشعر* ممسوخة بين المرأة والرجل؛ فلما رآها صاحبنا قال: هذا أفضل..
وهشت الحسناء وتبسمت وأخذت في رقصها البديع، فانفصل عني الصديق، وأهملني وأقبل عليها بالنظرة بعد النظرة بعد النظرة، كأنه يكرر غير المفهوم ليفهمه ورجع وإياها كأنه في عالم من غير زمننا تقدمه عن عالمنا ساعة أو تؤخره ساعة؛ وكانت جملة حاله كأنها تقول لي: إن الدنيا الآن امرأة! وكان من السرور كأنما نقله الحب إلى رتبة آدم، ونقل صاحبته إلى رتبة حواء، ونقل المسرح إلى رتبة الجنة!
والعجب أن القمر طلع في هذه الساعة وأفاض نورًا جديدًا على المسرح المكشوف في الحديقة، فكأنه فعل هذا ليتم الحسن والحب؛ وأخذ شعاع القمر
١ المعجمات: هي اللواتي يتخذن شعورهن جمة "بضم الجيم" أي يقصصنها، كما يفعل نساء هذه الأيام، تشبهًا بالرجال؛ وقد كان ذلك مما تصنعه نساء العرب ونهى الإسلام عنه كراهة لهذا التشبه؛ فقص الشعر "على المودة" هو التجميم.