تسأل الشيطان بين الحين والحين: ألا تُوجد لذة جديدة غير معروفة؟ ألا يستطيع إبليس القرن العشرين أن يخترع لذة مبتكرة؟ ألا تكون الحياة إلا على هذه الوتيرة من صبحها لصبحها؟
كان الشاب كالذي يريد من إبليس أن يخترع كأسًا تسع نهرًا من الخمر، أو يجد له امرأة واحدة وفيها كل فنون النساء واختلافهن. وكان يريد من الشيطان أن يعينه في اللذة على الاستغراق الروحاني ويغمره بمثل التجليات القدسية التي تنتهي إليها النفس من حدة الطرب وحدة الشوق، وذلك فوق طاقة إبليس، ومن ثم كان معه في جهد عظيم حتى ضجر منه ذات مرة فهمّ أن يرفع يده عنه ويدعه يدخل إلى المسجد فيصلي مع بعض الأمراء الصالحين.
وهؤلاء الفساق الكثيرو المال إنما يعيشون بالاستطراف من هذه الدنيا؛ فهمهم دائمًا الألذ والأجمل والأغلى؛ ومتى انتهت فيهم اللذة منتهاها ولم تجد عاطفتهم من اللذات الجديدة ما يسعدها، ضاقت بهم فظهرت مظهر الذي يحاول أن ينتحر؛ وذلك هو الملل الذي يُبتلون به. والفاسق الغني حين يمل من لذاته يصبح شأنه مع نفسه كالذي يكون في نفق تحت الأرض, ويريد هناك سماء وجوًّا يطير فيهما بالطيارة.
قالوا: واعترض ابن الأمير ذات يوم شحاذ مريض قد أسن وعجز, يتحامل بعضه على بعض, فسأله أن يحسن إليه وذكر عوزه واختلاله، وجعل يبثه من دموعه وألفاظه. وكان إبليس في تلك الساعة قد صرف خواطر الشاب إلى إحدى الغانيات الممتنعات عليه، وقد ابتاع لها حلية ثمينة اشتط بائعها في الثمن حتى بلغ به عشرة آلاف دينار، فهو يريد أن يهديها إليها كأنها قدر من قادر. وقطع عليه الشحاذ المسكين أفكاره المضيئة في الشخص المضيء، فكان إهانة لخياله السامي. ووجد في نفسه غضاضة من رؤية وجهه، واشمأز في عروقه دم الإمارة، وتحركت الوراثة الحربية في هذا الدم.
ثم ألقى الشيطان إلقاءه عليه، فإذا هو يرى صاحب الوجه القذر كأنما يتهكم به يقول له: أنت أمير يبحث الناس عن الأمير الذي فيه فلا يجدون إلا الشيطان الذي فيه. وليس فيك من الإمارة إلا مثل ما يكون من التاريخ في الموضع الأثري الخرب. ولن تكون أميرًا بشهادة عشرة آلاف دينار عند مُومِس، ولكن بشهادة هذا المال عند عشرة آلاف فقير. أنت أمير, فهل تثبت الحياة أنك أمير أو هذا معنى في