قال: إن الأفكار أشياء حقيقية، ولو كشف لك الجو هذه الساعة لرأيته مسطورًا عبارات عبارات كأنه مقالة جريدة.
هذا الفصل حوار طويل في الهموم والآلام ورقة الشوق وتهالك الصبوة، ولو كتب له عنوان لكان عنوانه هكذا: ما أشهاها وما أحظاها! إن الهواء بين كل عاشقين متقاتلين يأخذ ويعطي..
قلت: يا عدو نفسه! ما أعجب ما تدقّق! لقد أدركت الآن أن المرأة تتسلح بما شاءت، لا من أجل أن تدافع، ولكن لتزيد أسلحتها في سلاح من تحبه، فتريده قوة على قهرها وإخضاعها..
أما هذه "العروس" فكانت أفكارها لا تجد ألفاظًا تحدها فهي تظهر كيفما اتفق، مرسلة إرسالًا في اللفتة والحركة والهيئة والقومة والقعدة، وهي من علمت؛ امرأة تعيش للحقائق، وبين الحقائق، ككل ذي صنعة في صنعته فكانت في تماديها خطر أي خطر على صاحب القلب المسكين، تمثل شيئًا لا أدري أهو ظاهر بخفائه أم هو خافٍ بظهوره؛ وقد وقع صاحبنا منها فيما لم يدخل في حسابه، فكانت الخبثة الماجنة كأنها تسكره بمسكر حقيقي، غير أنه من جسمها لا من زجاجة خمر.
وكانت لذهنه المتخيل كالسحابة الممتلئة بالبرق؛ تومض كل لحظة بأنوار بعد أنوار، وبين الفترة والفترة ترمي الصاعقة.
وظهرت كأنها امرأة مخلوقة من دم ولهب؛ فلقد أيقنت حينئذ أن الحب إن هو إلا الغريزة البهيمية بعينها محاولة أن تكون شيئًا له وجود فني إلى وجوده الطبيعي، فهو مصيبتان في واحدة، وكل عمله أن يجعل اللذة ألذ، والألم أشد، والقلة كثرة، والكثرة أكثر، وما هو نهاية كأنه لا نهاية..
هذه "العروس" كانت قبل الآن واقفة على حدود صاحبها، أما الآن فإنها تقتحم الحدود وتغزو غزوها وتمتلك ...
يا لسحر الحب من سحر! كل ما في الطبيعة من جمال تظهره الطبيعة لعاشقها في إحدى صور الفهم، أما الحبيب الجميل فهو وحده الذي يظهر لعاشقه في كل صور الفهم، وبهذا يكون الوقت معه أوقاتًا مختلفة متناقضة، ففي ساعة يكون العقل وفي ساعة يكون الجنون.